قال الإمام أحمد : حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلّم بمكة ثم أمر بالهجرة فأنزل الله { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } وقال الترمذي : حسن صحيح وقال الحسن البصري في تفسير هذه الاية : إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلّم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه فأراد الله قتال أهل مكة أمره أن يخرج إلى المدينة فهو الذي قال الله D : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } الاية .
وقال قتادة { وقل رب أدخلني مدخل صدق } يعني المدينة { وأخرجني مخرج صدق } يعني مكة وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهذا القول هو أشهر الأقوال وقال العوفي عن ابن عباس { أدخلني مدخل صدق } يعني الموت { وأخرجني مخرج صدق } يعني الحياة بعد الموت وقيل غير ذلك من الأقوال والأول أصح وهو اختيار ابن جرير .
وقوله { واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } قال الحسن البصري في تفسيرها : وعده ربه لينزعن ملك فارس وعز فارس وليجعلنه له وملك الروم وعز الروم وليجعلنه له وقال قتادة فيها : إن نبي الله صلى الله عليه وسلّم علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله ولحدود الله ولفرائض الله ولإقامة دين الله فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم قال مجاهد { سلطانا نصيرا } حجة بينة واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة وهو الأرجح لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ولهذا يقول تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد } الاية وفي الحديث [ إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ] أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والاثام مالا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد وهذا هو الواقع .
وقوله : { وقل جاء الحق وزهق الباطل } الاية تهديد ووعيد لكفار قريش فإنه قد جاءهم من الله الحق الذي لا مرية فيه ولا قبل لهم به وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع وزهق باطلهم أي اضمحل وهلك فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } وقال البخاري : حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلّم مكة وحول البيت ستون وثلثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : [ جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد ] وكذا رواه البخاري أيضا في غير هذا الموضع و مسلم والترمذي والنسائي كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة به وكذا رواه عبد الرزاق عن ابن أبي نجيح به .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا زهير حدثنا شبابة حدثنا المغيرة حدثنا أبو الزبير عن جابر Bه قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما تعبد من دون الله فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأكبت على وجوهها وقال : [ جاء وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ]