من هنا شرع تبارك وتعالى في ذكر قصة موسى وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه وذلك بعد ما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم وسار بأهله قيل : قاصدا بلاد مصر بعد ما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ومعه زوجته فأضل الطريق وكانت ليلة شاتية ونزل منزلا بين شعاب وجبال في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب وجعل يقدح بزند معه ليوري نارا كما جرت له العادة به فجعل لا يقدح شيئا ولا يخرج منه شرر ولا شيء فينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه فقال لأهله يبشرهم : { إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس } أي شهاب من نار وفي الاية الأخرى { أو جذوة من النار } وهي الجمر الذي معه لهب { لعلكم تصطلون } دل على وجود البرد .
وقوله : { بقبس } دل على وجود الظلام وقوله : { أو أجد على النار هدى } أي من يهديني الطريق دل على أنه قد تاه عن الطريق كما قال الثوري عن أبي سعيد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : { أو أجد على النار هدى } قال : من يهديني إلى الطريق وكانوا شاتين وضلوا الطريق فلما رأى النار قال : إن لم أجد أحدا يهديني إلى الطريق أتيتكم بنار توقدون بها