يقول تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة } أيها الخائضون في شأن عائشة بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الاخرة { لمسكم في ما أفضتم فيه } من قضية الإفك { عذاب عظيم } وهذا فيمن عنده إيمان رزقه الله بسببه التوبة إليه كمسطح وحسان وحمنة بنت جحش أخت زينت بنت جحش فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي ابن سلول وأضرابه فليس أولئك مرادين في هذه الاية لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه وهكذا شأن ما يرد من الوعيد على فعل معين يكون مطلقا مشروطا بعدم التوبة أو ما يقابله من عمل صالح يوازنه أو يرجح عليه .
ثم قال تعالى : { إذ تلقونه بألسنتكم } قال مجاهد وسعيد بن جبير : أي يرويه بعضكم عن بعض يقول هذا سمعته من فلان وقال فلان كذا وذكر بعضهم كذا وقرأ آخرون { إذ تلقونه بألسنتكم } وفي صحيح البخاري عن عائشة أنها كانت تقرؤها كذلك وتقول : هو من ولق اللسان يعني الكذب الذي يستمر صاحبه عليه تقول العرب : ولق فلان في السير إذا استمر فيه والقراءة الأولى أشهر وعليها الجمهور ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة عن عائشة أنها كانت تقرأ { إذ تلقونه } وتقول : إنما هو ولق القول ـ والولق الكذب ـ قال ابن أبي مليكة : هي أعلم به من غيرها .
وقوله تعالى : { وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم } أي تقولون ما لا تعلمون ثم قال تعالى : { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } أي تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين وتحسبون ذلك يسيرا سهلا ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلّم لما كان هينا فكيف وهي زوجة النبي الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ؟ فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل ! فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا وهو سبحانه وتعالى لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك حاشا وكلا ولما لم يكن ذلك فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والاخرة ؟ ولهذا قال تعالى : { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } وفي الصحيحين [ إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض ] وفي رواية [ لا يلقي لها بالا ]