يقول تعالى مخبرا عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم وكلامهم فيما لا يعنيهم حيث قالوا { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } أي هلا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة كما نزلت الكتب قبله جملة واحدة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه إنما نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث وما يحتاج إليه من الأحكام ليثبت قلوب المؤمنين به كقوله { وقرآنا فرقناه } الاية ولهذا قال { لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا } قال قتادة : بيناه تبيينا وقال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم : وفسرناه تفسيرا { ولا يأتونك بمثل } أي بحجة وشبهة { إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا } أي ولا يقولون قولا يعارضون به الحق إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم .
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس { ولا يأتونك بمثل } أي بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول { إلا جئناك بالحق } الاية أي إلا نزل جبريل من الله تعالى بجوابهم وما هذا إلا اعتناء وكبير شرف للرسول صلى الله عليه وسلّم حيث كان يأتيه الوحي من الله D بالقرآن صباحا ومساء وليلا ونهارا سفرا وحضرا وكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن لا كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة فهذا المقام أعلى وأجل وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله ومحمد صلى الله عليه وسلّم أعظم نبي أرسله الله تعالى وقد جمع الله للقرآن الصفتين معا ففي الملأ الأعلى أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك إلى الأرض منجما بحسب الوقائع والحوادث وقال أبو عبد الرحمن النسائي أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال : أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة قال الله تعالى : { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا } وقال تعالى : { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا } .
ثم قال تعالى مخبرا عن سوء حال الكفار في معادهم يوم القيامة وحشرهم إلى جهنم في أسوأ الحالات وأقبح الصفات { الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا } وفي الصحيح عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال [ إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة ] وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من المفسرين