يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب قال تعالى : { وربك يخلق ما يشاء ويختار } أي ما يشاء فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فالأمور كلها خيرها وشرها بيده ومرجعها إليه وقوله : { ما كان لهم الخيرة } نفي على أصح القولين كقوله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقد اختار ابن جرير أن { ما } ههنا بمعنى الذي تقديره : ويختار الذي لهم فيه خيرة وقد احتج بهذا المسلك طائفة المعتزلة على وجوب مراعاة الأصلح والصحيح أنها نافية كما نقله ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره أيضا فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار وأنه لا نظير له في ذلك ولهذا قال { سبحان الله وتعالى عما يشركون } أي من الأصنام والأنداد التي لا تخلق ولا تختار شيئا .
ثم قال تعالى : { وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون } أي يعلم ما تكن الضمائر وما تنطوي عليه السرائر كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلائق { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار } وقوله { وهو الله لا إله إلا هو } أي هو المنفرد بالإلهية فلا معبود سواه كما لا رب يخلق ما يشاء ويختار سواه { له الحمد في الأولى والآخرة } أي في جميع ما يفعله هو المحمود عليه بعدله وحكمته { وله الحكم } أي الذي لا معقب له لقهره وغلبته وحكمته ورحمته { وإليه ترجعون } أي جميعكم يوم القيامة فيجزي كل عامل بعمله من خير وشر ولايخفى عليه منهم خافية في سائر الأعمال