يقول تعالى ممتنا على قريش فيما أحلهم من حرمه الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد ومن دخله كان آمنا فهم في أمن عظيم والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا كما قال تعالى : { لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } وقوله تعالى : { أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون } أي أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد و { بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار } وكفروا بنبي الله وعبده ورسوله فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله وأن لا يشركوا به وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره فكذبوه وقاتلوه وأخرجوه من بين ظهرهم ولهذا سلبهم الله تعالى ما كان أنعم به عليهم وقتل من قتل منهم ببدر ثم صارت الدولة لله ولرسوله وللمؤمنين ففتح الله على رسوله مكة وأرغم آنافهم وأذل رقابهم .
ثم قال تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه } أي لا احد أشد عقوبة ممن كذب على الله فقال : إن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء ومن قال : سأنزل مثل ما أنزل الله وهكذا لا أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه فالأول مفتر والثاني مكذب ولهذا قال تعالى : { أليس في جهنم مثوى للكافرين } ثم قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا } يعني الرسول صلى الله عليه وسلّم وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين { لنهدينهم سبلنا } أي لنبصرنهم سبلنا أي طرقنا في الدنيا والاخرة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي الحواري أخبرنا عباس الهمداني أبو أحمد من أهل عكا في قول الله تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } قال : الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون قال أحمد بن أبي الحواري : فحدثت به أبا سليمان الداراني فأعجبه وقال : ليس ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر فإذا سمعه في الأثر عمل به وحمد الله حتى وافق ما في نفسه وقوله { وإن الله لمع المحسنين } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عيسى بن جعفر قاضي الري حدثنا أبو جعفر الرازي عن المغيرة عن الشعبي قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك والله أعلم آخر تفسير سورة العنكبوت و للهالحمد والمنة