يخبر تعالى أنه هو الذي سخر البحر لتجري فيه الفلك بأمره أي بلطفه وتسخيره فإنه لو لا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت ولهذا قال { ليريكم من آياته } أي من قدرته { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } أي صبار في الضراء شكور في الرخاء ثم قال تعالى : { وإذا غشيهم موج كالظلل } أي كالجبال والغمام { دعوا الله مخلصين له الدين } كما قال تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } وقال تعالى : { فإذا ركبوا في الفلك } الاية .
ثم قال تعالى : { فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } قال مجاهد : أي كافر كأنه فسر المقتصد ههنا بالجاحد كما قال تعالى : { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } وقال ابن زيد : هو المتوسط في العمل وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله تعالى : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد } الاية فالمقتصد ههنا هو المتوسط في العمل ويحتمل أن يكون مرادا هنا أيضا ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والايات الباهرات في البحر ثم بعد ما أنعم الله عليه بالخلاص كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام والدؤوب في العبادة والمبادرة إلى الخيرات فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا والحالة هذه والله أعلم وقوله تعالى : { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } فالختار هو الغدار قاله مجاهد والحسن وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم : وهو الذي كلما عاهد نقض عهده والختر أتم الغدر وأبلغه قال عمرو بن معد يكرب .
( وإنك لو رأيت أبا عمير ... ملأت يديك من غدر وختر ) .
وقوله { كفور } أي جحود للنعم لا يشكرها بل يتناساها ولا يذكرها