يقول تعالى مخبرا عن الأحزاب لما أجلاهم عن المدينة بما أرسل عليهم من الريح والجنود الإلهية ولولا أن الله جعل رسوله رحمة للعالمين لكانت هذه الريح عليهم أشد من الريح العقيم التي أرسلها على عاد ولكن قال تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } فسلط عليهم هواء فرق شملهم كما كان سبب اجتماعهم من الهوى وهم أخلاط من قبائل من قبائل شتى أحزاب وآراء فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي فرق جماعاتهم وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم ولم ينالوا خيرا لا في الدنيا مما كان في أنفسهم من الظفر والمغنم ولا في الاخرة بما تحملوه من الاثام في مبارزة الرسول صلى الله عليه وسلّم بالعدواة وهمهم بقتله واستئصال جيشه ومن هم بشيء وصدق همه بفعله فهو في الحقيقة كفاعله .
وقوله تبارك وتعالى : { وكفى الله المؤمنين القتال } أي لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم بل كفى الله وحده ونصر عبده وأعز جنده ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول [ لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده ] أخرجاه من حديث أبي هريرة Bه وفي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى Bه قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على الأحزاب فقال [ اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم ] وفي قوله D { وكفى الله المؤمنين القتال } إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش وهكذا وقع بعدها لم يغزهم المشركون بل غزاهم المسلمون في بلادهم قال محمد بن إسحاق لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما بلغنا [ لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ] فلم تغز قريش بعد ذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله تعالى مكة وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق حديث صحيح كما قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبو إسحاق قال : سمعت سليمان بن صرد Bه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب [ الان نغزوهم ولا يغزوننا ] وهكذا رواه البخاري في صحيحه من حديث الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق به وقوله تعالى : { وكان الله قويا عزيزا } أي بحوله وقوته ردهم خائبين لم ينالوا خيرا وأعز الله الإسلام وأهله وصدق وعده ونصر رسوله وعبده فله الحمد والمنة