يقول تبارك وتعالى : { وآية لهم } أي دلالة لهم على وجود الصانع وقدرته التامة وإحيائه الموتى { الأرض الميتة } أي إذا كانت ميتة هامدة لا شيء فيها من النبات فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ولهذا قال تعالى : { أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون } أي جعلناه رزقا لهم ولأنعامهم { وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون } أي جعلنا فيها أنهارا سارحة في أمكنة يحتاجون إليها ليأكلوا من ثمره لما امتن على خلقه بإيجاد الزروع لهم عطف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها .
وقوله جل وعلا : { وما عملته أيديهم } أي وما ذاك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم لا بسعيهم ولا كدهم ولا بحولهم وقوتهم قاله ابن عباس Bهما وقتاده : ولهذا قال تعالى : { أفلا يشكرون } أي فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى واختار ابن جرير ـ بل جزم به ولم يحك غيره إلا احتمالا ـ أن { ما } في قوله تعالى : { وما عملته أيديهم } بمعنى الذي تقديره ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم أي غرسوه ونصبوه قال : وهي كذلك في قراءة ابن مسعود Bه { ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون } ثم قال تبارك وتعالى : { سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض } أي من زروع وثمار ونبات { ومن أنفسهم } فجعلهم ذكرا وأنثى { ومما لا يعلمون } أي من مخلوقات شتى لا يعرفونها كما قال جلت عظمته : { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون }