يقول تعالى مخبرا عن بني إسرائيل : كم شاهدوا مع موسى من آية بينة أي حجة قاطعة بصدقه فيما جاءهم به كيده وعصاه وفلقه البحر وضرب الحجر وما كان من تظليل الغمام عليهم في شدة الحر ومن إنزال المن والسلوى وغير ذلك من الايات الدالات على وجود الفاعل المختار وصدق من جرت هذه الخوارق على يديه ومع هذا أعرض كثير منهم عنها وبدلوا نعمة الله كفرا أي استبدلوا بالإيمان بها الكفر بها والإعراض عنها { ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب } كما قال تعالى إخبارا عن كفار قريش { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار } ثم أخبر تعالى عن تزيينه الحياة الدنيا للكافرين الذين رضوا بها واطمأنوا إليها وجمعوا الأموال ومنعوها عن مصارفها التي أمروا بها مما يBهم وسخروا من الذين آمنوا الذين أعرضوا عنها وأنفقوا ما حصل لهم منها في طاعة ربهم وبذلوه ابتغاء وجه الله فلهذا فازوا بالمقام الأسعد والحظ الأوفر يوم معادهم فكانوا فوق أولئك في محشرهم ومنشرهم ومسيرهم ومأواهم فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين وخلد أولئك في الدركات في أسفل سافلين ولهذا قال تعالى : { والله يرزق من يشاء بغير حساب } أي يزرق من يشاء من خلقه ويعطيه عطاء كثيرا جزيلا بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والاخرة كما جاء في الحديث [ ابن آدم أنفق أنفق عليك ] وقال النبي صلى الله عليه وسلّم [ أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا ] وقال تعالى : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } وفي الصحيح [ أن ملكين ينزلان من السماء صبيحة كل يوم فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الاخر : اللهم أعط ممسكا تلفا ] وفي الصحيح [ يقول ابن آدم : مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت وما تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس ] وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال [ الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له ]