يقول تعالى مخبرا عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها كما قال تعالى : { من الله ذي المعارج * تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان أن هذه مسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة في قول جماعة من السلف والخلف وهو الأرجح إن شاء الله وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة وقد تقدم في حديث الأوعال ما يدل على ارتفاعه عن السموات السبع بشيء عظيم وقوله تعالى : { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده } كقوله جلت عظمته : { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون } وكقوله تعالى : { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين } ولهذا قال D : { لينذر يوم التلاق } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يوم التلاق اسم من أسماء يوم القيامة حذر الله منه عباده وقال ابن جريج قال ابن عباس Bهما يلتقي فيه آدم وآخر ولده وقال ابن زيد يلتقي فيه العباد وقال قتادة والسدي وبلال بن سعد وسفيان بن عيينة يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض والخالق والخلق وقال ميمون بن مهران يلتقي الظالم والمظلوم وقد يقال إن يوم التلاق يشمل هذا كله ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمله من خير وشر كما قاله آخرون .
وقوله جل جلاله : { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء } أي ظاهرون بادون كلهم لا شيء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم ولهذا قال : { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء } أي الجميع في علمه على السواء وقوله تبارك وتعالى : { لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار } قد تقدم في حديث ابن عمر Bهما أنه تعالى يطوي السموات والأرض بيده ثم يقول أنا الملك أنا الجبار أنا المتكبر أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ وفي حديث الصور أنه D إذا قبض أرواح جميع خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له حينئذ يقول لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ثم يجيب نفسه قائلا { لله الواحد القهار } أي الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن غالب الدقاق حدثنا عبيد بن عبيدة حدثنا معتمر عن أبيه حدثنا أبو نضرة عن ابن عباس Bهما قال : ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات قال وينزل الله D إلى السماء الدنيا ويقول : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } وقوله جلت عظمته : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه أنه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها وبالسيئة واحدة قال تبارك وتعالى : { لا ظلم اليوم } كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر Bه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما يحكي عن ربه D أنه قال : [ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ـ إلى أن قال ـ يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله تبارك وتعالى ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ] وقوله D : { إن الله سريع الحساب } أي يحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفسا واحدة كما قال جل وعلا : { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } وقال جل جلاله : { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر }