الإيلاء الحلف فإذا حلف الرجل أن لا يجامع زوجته مدة فلا يخلو إما أن يكون أقل من أربعة أشهر أو أكثر منها فإن كانت أقل فله أن ينتظر انقضاء المدة ثم يجامع امرأته وعليها أن تصبر وليس لها مطالبته بالفيئة في هذه المدة وهذا كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم آلى من نسائه شهرا فنزل لتسع وعشرين وقال الشهر تسع وعشرون ولهما عن عمر بن الخطاب نحوه فأما إن زادت المدة على أربعة أشهر فللزوجة مطالبة الزوج عند انقضاء أربعة أشهر إما أن يفيء أي يجامع وإما أن يطلق فيجبره الحاكم على هذا وهذا لئلا يضر بها ولهذا قال تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم } أي يحلفون على ترك الجماع عن نسائهم فيه دلالة على أن الإيلاء يختص بالزوجات دون الإماء كما هو مذهب الجمهور { تربص أربعة أشهر } أي ينتظر الزوج أربعة أشهر من حين الحلف ثم يوقف ويطالب بالفيئة أو الطلاق ولهذا قال { فإن فاؤوا } أي رجعوا إلى ما كانوا عليه وهو كناية عن الجماع قاله ابن عباس ومسروق والشعبي وسعيد بن جبير وغير واحد ومنهم ابن جرير C { فإن الله غفور رحيم } لما سلف من التقصير في حقهن بسبب اليمين قوله { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } فيه دلالة لأحد قولي العلماء وهو القديم عن الشافعي أن المولى إذا فاء بعد الأربعة الأشهر أنه لا كفارة عليه ويعتضد بما تقدم في الحديث عند الاية التي قبلها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فتركها كفارتها ] كما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والذي عليه الجمهور وهو الجديد من مذهب الشافعي أن عليه التكفير لعموم وجوب التكفير على كل حالف كما تقدم أيضا في الأحاديث الصحاح والله أعلم .
وقوله { وإن عزموا الطلاق } فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع بمجرد مضي الأربعة أشهر كقول الجمهور من المتأخرين وذهب آخرون إلى أنه يقع بمضي أربعة أشهر تطليقة وهو مروي بأسانيد صحيحة عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وبه يقول ابن سيرين ومسروق والقاسم وسالم والحسن وأبو سلمة وقتادة وشريح القاضي وقبيصة بن ذؤيب وعطاء وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن طرخان التيمي وإبراهيم النخعي والربيع بن أنس والسدي ثم قيل : إنها تطلق بمضي الأربعة أشهر طلقة رجعية قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ومكحول وربيعة والزهري ومروان بن الحكم وقيل : إنها تطلق طلقة بائنة روي عن علي وابن مسعود وعثمان وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وبه يقول عطاء وجابر بن زيد ومسروق وعكرمة والحسن وابن سيرين ومحمد بن الحنفية وإبراهيم وقبيصة بن ذؤيب وأبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح فكل من قال : إنها تطلق بمضي الأربعة أشهر أوجب عيها العدة إلا ما روي عن ابن عباس وأبي الشعثاء : أنها إن كانت حاضت ثلاث حيض فلا عدة عليها وهو قول الشافعي والذي عليه الجمهور من المتأخرين أن يوقف فيطالب إما بهذا وإما بهذا ولا يقع عليها بمجرد مضيها طلاق وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال : إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء وأخرجه البخاري وقال الشافعي C : أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال : أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم كلهم يوقف المولى قال الشافعي : وأقل ذلك ثلاثة عشر ورواه الشافعي عن علي Bه أنه يوقف المولى ثم قال : وهكذا نقول وهو موافق لما رويناه عن عمر وابن عمر وعائشة وعثمان وزيد بن ثابت وبضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم هكذا قال الشافعي C قال ابن جرير : حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال : سألت اثني عشر رجلا من الصحابة عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول : ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق ورواه الدارقطني من طريق سهيل ( قلت ) وهو يروى عن عمر وعثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة أم المؤمنين وابن عمر وابن عباس وبه يقول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وطاوس ومحمد بن كعب والقاسم وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم رحمهم الله وهو اختيار ابن جرير أيضا وهو قول الليث وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وأبي ثور وداود وكل هؤلاء قالوا : إن لم يفئ ألزم بالطلاق فإن لم يطلق طلق عليه الحاكم والطلقة تكون رجعية لها رجعتها في العدة وانفرد مالك بأن قال لا يجوز له رجعتها حتى يجامعها في العدة وهذا غريب جدا .
قد ذكر الفقهاء وغيرهم في مناسبة تأجيل المولي بأربعة أشهر الأثر الذي رواه الإمام مالك بن أنس C في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال : خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول : .
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألا عبه .
فو الله لولا الله أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه .
فسأل عمر ابنته حفصة Bها : كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : ستة أشهر أو أربعة أشهر فقال عمر : لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك وقال محمد بن إسحاق عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة وكان يفعل ذلك كثيرا إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها تقول : .
تطاول هذا الليل وازور جانبه وأرقني أن لا ضجيع ألا عبه .
ألا عبه طورا وطورا كأنما بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه .
يسر به من كان يلهو بقربه لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه .
فو الله لولا الله لا شيء غيره لنقض من هذا السرير جوانبه .
ولكنني أخشى رقيبا موكلا بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه .
مخافة ربي والحياء يصدني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه .
ثم ذكر بقية ذلك كما تقدم أو نحوه وقد روي هذا من طرق وهو من المشهورات