لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته وإحكامه في لفظه ومعناه ومع هذا لم يؤمن به المشركون نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت كما قال D : { ولو نزلناه على بعض الأعجمين * فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين } وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم لقالوا على وجه التعنت والعناد { لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي } أي لقالوا هلا أنزل مفصلا بلغة العرب ولأنكروا ذلك فقالوا أعجمي وعربي أي كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه ؟ هكذا روي هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم ؟ وقيل المراد بقولهم لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي أي هل أنزل بعضها بالأعجمي وبعضها بالعربي ؟ هذا قول الحسن البصري وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله أعجمي وهو رواية عن سعيد بن جبير وهو في التعنت والعناد أبلغ ثم قال D : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } أي قل يا محمد هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب { والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر } أي لا يفهمون ما فيه { وهو عليهم عمى } أي لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال سبحانه وتعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } { أولئك ينادون من مكان بعيد } قال مجاهد يعني بعيد من قلوبهم قال ابن جرير معناه كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد لا يفهمون ما يقول وقلت وهذا كقوله تعالى : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } وقال الضحاك ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم وقال السدي كان عمر بن الخطاب Bه : جالسا عند رجل من المسلمين يقضي إذ قال : يا لبيكاه فقال له عمر Bه لم تلبي هل رأيت أحدا أو دعاك أحد ؟ فقال دعاني داع من وراء البحر فقال عمر Bه أولئك ينادون من مكان بعيد رواه ابن أبي حاتم وقوله تبارك وتعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } أي كذب وأوذي { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى } بتأخير الحساب إلى يوم المعاد { لقضي بينهم } أي لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا { وإنهم لفي شك منه مريب } أي وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا بل كانوا شاكين فيما قالوه غير محققين لشيء كانوا فيه هكذا وجهه ابن جرير وهو محتمل والله أعلم