قوله تبارك وتعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } كقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وكقوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } الاية فشرع العدل وهو القصاص وندب إلى الفضل وهو العفو كقوله جل وعلا : { والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له } ولهذا قال ههنا : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } أي لا يضيع ذلك عند الله كما صح ذلك في الحديث [ وما زاد الله تعالى عبدا بعفو إلا عزا ] وقوله تعالى : { إنه لا يحب الظالمين } أي المعتدين وهو المبتدىء بالسيئة .
ثم قال جل وعلا : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } أي ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا ابن عون قال : كنت أسأل عن الانتصار في قوله تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } فحدثني علي بن زيد بن جدعان عن أم محمد امرأة أبيه قال ابن عون : زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة Bها قالت : قالت أم المؤمنين Bها : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعندنا زينب بنت جحش Bها فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم يصنع بيده شيئا فلم يفطن لها فقلت بيده حتى فطنته لها فأمسك وأقبلت زينب Bها تقحم لعائشة Bها فنهاها فأبت أن تنتهي فقال لعائشة Bها [ سبيها ] فسبتها فغلبتها وانطلقت زينب Bها فأتت عليا Bه فقالت إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم فجاءت فاطمة Bها فقال صلى الله عليه وسلّم لها [ إنها حبة أبيك ورب الكعبة ] فانصرفت وقالت لعلي Bه : إني قلت له صلى الله عليه وسلّم كذا وكذا فقال لي كذا وكذا قال : وجاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وكلمه في ذلك هكذا أورد هذا السياق وعلي بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات غالبا وهذا فيه نكارة والصحيح خلاف هذا السياق كما رواه النسائي وابن ماجه من حديث خالد بن سلمة الفأفاء عن عبد الله البهي عن عروة قال : قالت عائشة Bها ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن وهي غضبى ثم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر درعها ثم أقبلت علي فأعرضت عنها حتى قال النبي صلى الله عليه وسلّم [ دونك فانتصري ] فأقبلت عليها حتى رأيت ريقها قد يبس في فمها ما ترد علي شيئا فرأيت النبي صلى الله عليه وسلّم يتهلل وجهه وهذا لفظ النسائي .
وقال البزار : حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو غسان حدثنا أبو الأحوص عن أبي حمزة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة Bها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ من دعا على من ظلمه فقد انتصر ] ورواه الترمذي من حديث أبي الأحوص عن أبي حمزة واسمه ميمون ثم قال : لا نعرفه إلا من حديثه وقد تكلم فيه من قبل حفظه وقوله D : { إنما السبيل } أي إنما الحرج والعنت { على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق } أي يبدءون الناس بالظلم كما جاء في الحديث الصحيح [ المستبان ما قالا فعلى البادىء ما لم يعتد المظلوم ] { أولئك لهم عذاب أليم } أي شديد موجع .
قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا الحسن بن موسى حدثنا سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد حدثنا عثمان الشحام حدثنا محمد بن واسع قال : قدمت مكة فإذا على الخندق منظرة فأخذت حاجتي فانطلق بي إلى مروان بن المهلب وهو أمير على البصرة فقال ما حاجتك يا أبا عبد الله ؟ قلت : حاجتي إن استطعت أن تكون كما كان أخو بني عدي قال : ومن أخو بني عدي ؟ قال العلاء بن زياد : استعمل صديقا له مرة على عمل فكتب إليه : أما بعد فإن استطعت أن لا تبيت إلا وظهرك خفيف وبطنك خميص وكفك نقية من دماء المسلمين وأموالهم فإنك إذا فعلت ذلك لم يكن عليك سبيل { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } فقال مروان : صدق والله ونصح ثم قال : ما حاجتك يا أبا عبد الله قلت : حاجتي أن تلحقني بأهلي قال : نعم رواه ابن أبي حاتم ثم إن الله تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص قال نادبا إلى العفو والصفح : { ولمن صبر وغفر } أي صبر على الأذى وستر السيئة { إن ذلك لمن عزم الأمور } قال سعيد بن جبير : يعني لمن حق الأمور التي أمر الله بها أي لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي حدثنا مصمد بن يزيد خادم الفضيل بن عياض قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل : ياأخي اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله D فقل له : إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل وصاحب الانتصار يقلب الأمور .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان عن ابن عجلان حدثنا سعيد عن أبي هريرة Bه قال : [ إن رجلا شتم أبا بكر Bه والنبي صلى الله عليه وسلّم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي وقام فلحقه أبو بكر Bه فقال : يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت قال : إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ـ ثم قال ـ يا أبا بكر : ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها الله إلا أعزه الله تعالى بها ونصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله D بها قلة ] وكذا رواه أبو داود عن عبد الأعلى بن حماد عن سفيان بن عيينة قال : ورواه صفوان بن عيسى كلاهما عن محمد بن عجلان ورواه من طريق الليث عن سعيد المقبري عن بشير بن المحرر عن سعيد بن المسيب مرسلا وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى وهو مناسب للصديق Bه