يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر { لتجري الفلك } وهي السفن فيه بأمره تعالى فإنه هو الذي أمر البحر بحملها { ولتبتغوا من فضله } أي في المتاجر والمكاسب { ولعلكم تشكرون } أي على حصول المنافع المجلوبة من الأقاليم النائية القصية ثم قال D : { وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض } أي من الكواكب والجبال والبحار والأنهار وجميع ما تنتفعون به أي الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ولهذا قال : { جميعا منه } أي من عنده وحده لا شريك له في ذلك كما قال تبارك وتعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس Bهما قوله تعالى : { وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه } كل شيء هو من الله وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه فذلك جميعا منه ولا ينازعه فيه المنازعون واستيقن أنه كذلك وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمد بن خلف العسقلاني حدثنا الفريابي عن سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن أبي أراكة قال : سأل رجل عبد الله بن عمرو Bهما قال : مم خلق الخلق ؟ قال : من النور والنار والظلمة والثرى قال : وائت ابن عباس Bهما فاسأله فأتاه فقال له مثل ذلك فقال : ارجع إليه فسله مما خلق ذلك كله فرجع إليه فسأله فتلا { وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه } هذا أثر غريب وفيه نكارة { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } .
وقوله تعالى : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } أي ليصفحوا عنهم ويتحملوا الأذى منهم وكان هذا في ابتداء الإسلام أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ليكون ذلك كالتأليف لهم ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد هكذا روي عن ابن عباس Bهما وقتادة وقال مجاهد : { لا يرجون أيام الله } لا ينالون نعم الله تعالى وقوله تبارك وتعالى : { ليجزي قوما بما كانوا يكسبون } أي إذا صفحوا عنهم في الدنيا فإن الله D مجازيهم بأعمالكم السيئة في الاخرة ولهذا قال تعالى : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون } أي تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم عليه فيجزيكم خيرها وشرها والله سبحانه وتعالى أعلم