يمجد تعالى نفسه الكريمة ويخبر أنه بيده الملك أي هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله ولهذا قال تعالى : { وهو على كل شيء قدير } ثم قال تعالى : { الذي خلق الموت والحياة } واستدل بهذه الاية من قال إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق ومعنى الاية أنه أوجد الخلائق من العدم ليبلوهم أي يختبرهم أيهم أحسن عملا كما قال تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } فسمى الحال الأول وهو العدم موتا وسمى هذه النشأة حياة ولهذا قال تعالى : { ثم يميتكم ثم يحييكم } وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا خليد عن قتادة في قوله تعالى : { الذي خلق الموت والحياة } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : [ إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الاخرة دار جزاء ثم دار بقاء ] ورواه معمر عن قتادة وقوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } أي خير عملا كما قال محمد بن عجلان ولم يقل أكثر عملا ثم قال تعالى : { وهو العزيز الغفور } أي هو العزيز العظيم المنيع الجناب وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب بعد ما عصاه وخالف أمره وإن كان تعالى عزيزا هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز ثم قال تعالى : { الذي خلق سبع سماوات طباقا } أي طبقة بعد طبقة وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهن على بعض أو متفاصلات بينهن خلاء فيه قولان أصحهما الثاني كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره .
وقوله تعالى : { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } أي بل هو مصطحب مستو ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة ولا نقص ولا عيب ولا خلل ولهذا قال تعالى : { فارجع البصر هل ترى من فطور } أي انظر إلى السماء فتأملها هل ترى فيها عيبا أو نقصا أو خللا أو فطورا قال ابن عباس ومجاهد والضحاك والثوري وغيرهم في قوله تعالى : { فارجع البصر هل ترى من فطور } أي شقوق وقال السدي { هل ترى من فطور } أي من خروق وقال ابن عباس في رواية { من فطور } أي من وهاء وقال قتادة { هل ترى من فطور } أي هل ترى خللا يا ابن آدم .
وقوله تعالى : { ثم ارجع البصر كرتين } قال قتادة : مرتين { ينقلب إليك البصر خاسئا } قال ابن عباس : ذليلا وقال مجاهد وقتادة : صاغرا { وهو حسير } قال ابن عباس : يعني وهو كليل وقال مجاهد وقتادة والسدي : الحسير المنقطع من الإعياء ومعنى الاية إنك لو كررت البصر مهما كررت لا نقلب إليك أي لرجع إليك البصر { خاسئا } عن أن يرى عيبا أو خللا { وهو حسير } أي كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر ولا يرى نقصا ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت .
وقوله تعالى : { وجعلناها رجوما للشياطين } عاد الضمير في قوله وجعلناها على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها والله أعلم وقوله تعالى : { وأعتدنا لهم عذاب السعير } أي جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا وأعتدنا لهم عذاب السعير في الاخرة كما قال تعالى في أول الصافات : { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } قال قتادة : إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال خلقها الله زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به رواه ابن جرير وابن أبي حاتم