أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب ومن العجم وقال مجاهد : لم يكونوا { منفكين } يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق وهكذا قال قتادة { حتى تأتيهم البينة } أي هذا القرآن ولهذا قال تعالى : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } ثم فسر البينة بقوله : { رسول من الله يتلو صحفا مطهرة } يعني محمدا صلى الله عليه وسلّم وما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى في صحف مطهرة كقوله : { في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة } وقوله تعالى : { فيها كتب قيمة } قال ابن جرير : أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ لأنها من عند الله D .
قال قتادة : { رسول من الله يتلو صحفا مطهرة } يذكر القرآن بأحسن الذكر ويثني عليه بأحسن الثناء وقال ابن زيد { فيها كتب قيمة } مستقيمة معتدلة وقوله تعالى : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } كقوله : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم واختلفوا اختلافا كثيرا كما جاء في الحديث المروي من طرق : [ إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة وإن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي ] .
وقوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } كقوله : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } ولهذا قال : { حنفاء } أي متحنفين عن الشرك إلى التوحيد كقوله : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة الأنعام بما أغنى عن إعادته ههنا { ويقيموا الصلاة } وهي أشرف عبادات البدن { ويؤتوا الزكاة } وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج { وذلك دين القيمة } أي الملة القائمة العادلة أو الأمة المستقيمة المعتدلة وقد استدل كثير من الأئمة كالزهري والشافعي بهذه الاية الكريمة أن الأعمال داخلة في الإيمان ولهذا قال : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }