قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا حسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال الفلق الصبح وقال العوفي عن ابن عباس { الفلق } الصبح وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعبد الله بن محمد بن عقيل والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي وابن زيد ومالك عن زيد بن أسلم مثل هذا قال القرظي وابن زيد وابن جرير : وهي كقوله تعالى : { فالق الإصباح } وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { الفلق } الخلق وكذا قال الضحاك : أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله وقال كعب الأحبار { الفلق } بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره ورواه ابن أبي حاتم ثم قال : حدثنا أبي حدثنا سهيل بن عثمان عن رجل سماه عن السدي عن زيد بن علي عن آبائه أنهم قالوا { الفلق } جب في قعر جهنم عليه غطاء فإذا كشف عنه خرجت منه نار تضج منه جهنم من شدة حر ما يخرج منه وكذا روي عن عمرو بن عنبسة وابن عباس والسدي وغيرهم .
وقد ورد في ذلك حديث مرفوع منكر فقال ابن جرير : حدثني إسحاق بن وهب الواسطي حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني عن شعيب بن صفوان عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ الفلق جب في جهنم مغطى ] إسناده غريب ولا يصح رفعه وقال أبو عبد الرحمن الحبلي { الفلق } من أسماء جهنم وقال ابن جرير : والصواب القول الأول إنه فلق الصبح وهذا هو الصحيح وهو اختيار البخاري في صحيحه C تعالى وقوله تعالى : { من شر ما خلق } أي من شر جميع المخلوقات وقال ثابت البناني والحسن البصري : جهنم وإبليس وذريته مما خلق { ومن شر غاسق إذا وقب } قال مجاهد : غاسق الليل إذا وقب غروب الشمس حكاه البخاري عنه وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه وكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وخصيف والحسن وقتادة : إذا وقب الليل إذا أقبل بظلامه وقال الزهري { ومن شر غاسق إذا وقب } الشمس إذا غربت وعن عطية وقتادة : إذا وقب الليل إذا ذهب وقال أبو المهزم عن أبي هريرة { ومن شر غاسق إذا وقب } الكوكب وقال ابن زيد : كانت العرب تقول الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطواعين تكبر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها .
قال ابن جرير : ولهؤلاء من الاثار ما حدثني نصر بن علي حدثني بكار بن عبد الله بن أخي همام حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ ومن شر غاسق إذا وقب ـ النجم الغاسق ] ( قلت ) وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم قال ابن جرير وقال آخرون : هو القمر ( قلت ) وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد : حدثنا أبو داود الحفري عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن أبي سلمة قال : قالت عائشة Bها : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيدي فأراني القمرحين طلع وقال : [ تعوذي با لله من شر هذا الغاسق إذا وقب ] ورواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به وقال الترمذي حديث حسن صحيح ولفظه [ تعوذي با لله من شر هذا الغاسق إذا وقب ] ولفظ النسائي [ تعوذي با لله من شر هذا هذا الغاسق إذا وقب ] قال أصحاب القول الأول : وهو آية الليل إذا ولج هذا لا ينافي قولنا لأن القمر آية الليل ولا يوجد له سلطان إلا فيه وكذلك النجوم لا تضيء إلا بالليل فهو يرجع إلى ما قلناه والله أعلم .
وقوله تعالى : { ومن شر النفاثات في العقد } قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك : يعني السواحر قال مجاهد : إذا رقين ونفثن في العقد وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا ابن ثور عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : ما من شيء أقرب إلى الشرك من رقية الحية والمجانين وفي الحديث الاخر [ أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : اشتكيت يا محمد ؟ فقال : نعم فقال : باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ومن شر كل حاسد وعين الله يشفيك ولعل هذا كان من شكواه صلى الله عليه وسلّم حين سحر ثم عافاه الله تعالى وشفاه ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم وفضحهم ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوما من الدهر بل كفى الله وشفى وعافى ] وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم قال : [ سحر النبي صلى الله عليه وسلّم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما قال : فجاءه جبريل فقال : إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لك في بئر كذا وكذا فأرسل إليها من يجيء بها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاستخرجها فجاءه بها فحللها قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأنما نشط من عقال ] فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه حتى مات ورواه النسائي عن هناد عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير .
وقال البخاري في كتاب الطب من صحيحه : حدثنا عبد الله بن محمد قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : أول من حدثنا به ابن جريج يقول : حدثني آل عروة عن عروة فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال : [ يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والاخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للاخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب قال : ومن طبه قال لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقا قال : وفيم ؟ قال : في مشط ومشاقة قال : وأين ؟ قال : في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان قالت : فأتى البئر حتى استخرجه فقال : هذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين قال : فاستخرج فقلت : أفلا تنشرت ؟ فقال : أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا ] .
وأسنده من حديث عيسى بن يونس وأبي ضمرة أنس بن عياض وأبي أسامة ويحيى القطان وفيه قالت حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله وعنده فأمر بالبئر فدفنت وذكر أنه رواه عن هشام أيضا ابن أبي الزناد والليث بن سعد وقد رواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير ورواه أحمد عن عفان عن وهيب عن هشام به ورواه الإمام أحمد أيضا عن إبراهيم بن خالد عن معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت : [ لبث النبي صلى الله عليه وسلّم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي فأتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والاخر عند رجليه فقال أحدهما للاخر : ما باله ؟ قال : مطبوب قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم وذكر تمام الحديث ] وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره قال ابن عباس وعائشة Bهما : كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلّم وعدة من أسنان مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها .
وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له ابن أعصم ثم دسها في بئر لبني زريق يقال له ذروان فمرض رسول الله A وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وجعل يذوب ولا يدري ما عراه فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والاخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما بال الرجل ؟ قال : طب قال : وما طب ؟ قال : سحر ؟ قال : ومن سحره ؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي قال : وبم طبه ؟ قال : بمشط ومشاطة قال : وأين هو ؟ قال : في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان والجف قشر الطلع والراعوفة حجر في أسفل البئر ناتىء يقوم عليه الماتح فانتبه رسول الله A مذعورا وقال : [ يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي ثم بعث رسول الله A عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر فأنزل الله تعالى السورتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله A خفة حين انحلت العقدة الأخيرة فقام كأنما نشط من عقال وجعل جبريل عليه السلام يقول : باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين الله يشفيك فقالوا : يا رسول الله A أفلا نأخذ الخبيث نقتله ؟ فقال رسول الله A : أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا ] هكذا أورده بلا إسناد وفيه غرابة وفي بعضه نكارة شديدة ولبعضه شواهد مما تقدم والله أعلم