يقول تعالى منكرا على من أراد دينا سوى دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي { له أسلم من في السموات والأرض } أي استسلم له من فيهما طوعا وكرها كما قال تعالى : { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها } الاية وقال تعالى : { أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون * ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله والكافر مستسلم لله كرها فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع وقد ورد حديث في تفسير هذه الاية على معنى آخر فيه غرابة فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن النضر العسكري حدثنا سعيد بن حفص النفيلي حدثنا محمد بن محصن العكاشي حدثنا الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن النبي صلى الله عليه وسلّم { وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها } [ أما من في السموات فالملائكة وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام وأما كرها فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون ] وقد ورد في الصحيح [ عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل ] وسيأتي له شاهد من وجه آخر ولكن المعنى الأول للاية أقوى وقد قال وكيع في تفسيره حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد { وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها } قال : هو كقوله { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } وقال أيضا : حدثنا سفيان عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس { وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها } قال : حين أخذ الميثاق { وإليه يرجعون } أي يوم المعاد فيجازي كلا بعمله ثم قال تعالى : { قل آمنا بالله وما أنزل علينا } يعني القرآن { وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب } أي من الصحف والوحي { والأسباط } وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل ـ وهو يعقوب ـ الاثني عشر { وما أوتي موسى وعيسى } يعني بذلك التوراة والإنجيل { والنبيون من ربهم } وهذا يعم جميع الأنبياء جملة { لا نفرق بين أحد منهم } يعني : بل نؤمن بجميعهم { ونحن له مسلمون } فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل وبكل كتاب أنزل لا يكفرون بشيء من ذلك بل هم يصدقون بما أنزل من عند الله وبكل نبي بعثه الله .
ثم قال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } الاية أي من سلك طريقا سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه { وهو في الآخرة من الخاسرين } كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح [ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ] وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ تجىء الأعمال يوم القيامة فتجىء الصلاة فتقول : يا رب أنا الصلاة فيقول إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول : يا رب أنا الصدقة فيقول إنك على خير ثم يجي الصيام فيقول : يا رب أنا الصيام فيقول : إنك على خير ثم تجىء الأعمال كل ذلك يقول الله تعالى : إنك على خير ثم يجىء الإسلام فيقول : يا رب أنت السلام وأنا الإسلام فيقول الله تعالى : إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطى قال الله في كتابه { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ] تفرد به أحمد قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد : عباد بن راشد ثقة ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة