يخبر تعالى إخبارا عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى : { كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } فهو تعالى وحده هو الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون وكذلك الملائكة وحملة العرش وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخرا كما كان أولا وهذه الاية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها في صلب آدم وانتهت البرية أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها كثيرها وقليلها كبيرها وصغيرها فلا يظلم أحدا مثقال ذرة ولهذا قال تعالى : { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز الأويسي حدثنا علي بن أبي علي اللهبي عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب Bه قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلّم وجاءت التعزية جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال جعفر بن محمد : فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال : أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام وقوله : { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } أي من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرؤوا إن شئتم { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } ] هذا حديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه بدون هذه الزيادة وقد رواه بدون هذه الزيادة أبو حاتم وابن حبان في صحيحه و الحاكم في مستدركه ومن حديث محمد بن عمرو هذا ورواه ابن مردويه من وجه آخر فقال : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن يحيى أنبأنا حميد بن مسعدة أنبأنا عمرو بن علي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها قال : ثم تلا هذه الاية { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } ] وتقدم عند قوله تعالى : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ما رواه الإمام أحمد عن وكيع بن الجراح عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أحب أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ] وقوله تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } تصغير لشأن الدنيا وتحقير لأمرها وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة كما قال تعالى : { بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى } وقال تعالى { وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى } وفي الحديث [ والله ما الدنيا في الاخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه ] وقال قتادة في قوله تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } قال : [ هي متاع هي متاع متروكة أوشكت ـ والله الذي لا إله إلا هو ـ أن تضمحل عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم ولا قوة إلا بالله ] وقوله تعالى : { لتبلون في أموالكم وأنفسكم } كقوله تعالى : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات } إلى آخر الايتين أي لا بد أن يبتلى المؤمن في شي من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله ويبتلى المؤمن على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا } يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر مسليا لهم عما نالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين وآمرا لهم بالصفح والصبر والعفو حتى يفرج الله فقال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره قال : [ كان النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله تعالى : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا } قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم ] هكذا ذكره مختصرا وقد ذكره البخاري عند تفسير هذه الاية مطولا فقال : حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد حدثه [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال : حتى مر على مجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان وأهل الكتاب اليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال : لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله D وقرأ عليهم القرأن فقال عبد الله بن أبي : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة Bه : بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلّم يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلّم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال : كذا وكذا فقال سعد : يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالله الذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك فذلك الذي فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى ] قال الله تعالى : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا } الاية وقال تعالى : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } الاية وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن له فيهم فلما غزا رسول الله A بدرا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال عبد الله بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول A على الإسلام وأسلموا فكل من قام بحق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر فلا بد أن يؤذى فما له دواء إلا الصبر في الله والاستعانة بالله والرجوع إلى الله D