يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية فاليهود ـ عليهم لعائن الله ـ آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلّم والسامرة لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانا شرعيا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ولهذا قال تعالى : { إن الذين يكفرون } با لله ورسله فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله أي في الإيمان { ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا } أي طريقا ومسلكا ثم أخبر تعالى عنهم فقال : { أولئك هم الكافرون حقا } أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به لأنه ليس شرعيا إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لامنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلا وأقوى برهانا منه أو نظروا حق النظر في نبوته .
وقوله : { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } أي كما استهانوا بمن كفروا به إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي { وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله } في الدنيا والاخرة وقوله : { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم } يعني بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله كما قال تعالى : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله } الاية ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل فقال : { أولئك سوف يؤتيهم أجورهم } على ما آمنوا بالله ورسله { وكان الله غفورا رحيما } أي لذنوبهم أي إن كان لبعضهم ذنوب