يقول تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله فجعل له شركاء أو ولدا أو ادعى أن الله أرسله إلى الناس ولم يرسله ولهذا قال تعالى : { أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } قال عكرمة وقتادة : نزلت في مسيلمة الكذاب { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } أي ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي مما يفتريه من القول كقوله تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا } الاية قال الله تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت } أي في سكراته وغمراته وكرباته { والملائكة باسطوا أيديهم } أي بالضرب كقوله { لئن بسطت إلي يدك لتقتلني } الاية وقوله { يبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } الاية وقال الضحاك وأبو صالح باسطو أيديهم أي بالعذاب كقوله { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم } ولهذا قال { والملائكة باسطوا أيديهم } أي بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم ولهذا يقولون لهم { أخرجوا أنفسكم } وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم فتتفرق روحه في جسده وتعصي وتأبى الخروج فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم { أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق } الاية أي اليوم تهانون غاية الإهانة كما كنتم تكذبون على الله وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله .
وقد وردت الأحاديث المتواترة في كيفية احتضار المؤمن والكافر عند الموت وهي مقررة عند قوله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } وقد ذكر ابن مردويه ههنا حديثا مطولا جدا من طريق غريبة عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا فالله أعلم وقوله { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } أي يقال لهم يوم معادهم هذا كما قال { وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة } أي كما بدأناكم أعدناكم وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه فهذا يوم البعث وقوله { وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } أي من النعم والأموال التي اقتنيتموها في الدار الدنيا وراء ظهوركم وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال [ يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس ] وقال الحسن البصري : يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذخ فيقول الله D : أين ما جمعت ؟ فيقول يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان فيقول له : يا ابن آدم أين ما قدمت لنفسك ؟ فلا يراه قدم شيئا وتلا هذه الاية { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } الاية رواه ابن أبي حاتم وقوله { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان ظانين أنها تنفعهم في معاشهم ومعادهم إن كان ثم معاد فإذا كان يوم القيامة تقطعت بهم الأسباب وانزاح الضلال وضل عنهم ما كانوا يفترون ويناديهم الرب جل جلاله على رؤوس الخلائق { أين شركائي الذين كنتم تزعمون } ويقال لهم { أين ما كنتم تعبدون * من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون } ولهذا قال ههنا { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } أي في العبادة لهم فيكم قسط في استحقاق العبادة لهم .
ثم قال تعالى : { لقد تقطع بينكم } قرىء بالرفع أي شملكم وبالنصب أي لقد تقطع ما بينكم من الأسباب والوصلات والوسائل { وضل عنكم } أي ذهب عنكم { ما كنتم تزعمون } من رجاء الأصنام والأنداد كقوله تعالى : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار } وقال تعالى : { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } وقال تعالى : { إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين } وقال { وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم } الاية وقال { ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا } إلى قوله { وضل عنهم ما كانوا يفترون } والايات في هذا كثيرة جدا