يقول تعالى : { ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون } أي إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب لئلا يؤاخذ أحد بظلمه وهو لم تبلغه دعوة ولكن أعذرنا إلى الأمم وما عذنبا أحدا إلا بعد إرسال الرسل إليهم كما قال تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } وقال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } كقوله { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقال تعالى : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا } والايات في هذا كثيرة .
قال الإمام أبو جعفر بن جرير : ويحتمل قوله تعالى : { بظلم } وجهين ( أحدهما ) { ذلك } من أجل { أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم } أهلها بالشرك ونحوه وهم غافلون ويقول : إن لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسولا ينبههم على حجج الله عليهم ينذرهم عذاب الله يوم معادهم ولم يكن بالذي يؤاخذهم غفلة فيقولوا : ما جاءنا من بشير ولا نذير ( والوجه الثاني ) { ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم } يقول : لم يكن ربك ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والايات والعبر فيظلمهم بذلك والله غير ظلام لعبيده ثم شرع يرجح الوجه الأول ولا شك أنه أقوى والله أعلم .
قال : وقوله تعالى : { ولكل درجات مما عملوا } أي ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل من عمله يبلغه الله إياها ويثيبه بها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ( قلت ) ويحتمل أن يعود قوله { ولكل درجات مما عملوا } أي من كافري الجن والإنس أي ولكل درجة في النار بحسبه كقوله { قال لكل ضعف } وقوله { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } { وما ربك بغافل عما يعملون } قال ابن جرير : أي وكل ذلك من عملهم يا محمد بعلم من ربك يحصيها ويثبتها لهم عنده ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه