لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلّم خبر قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين وأنه تعالى أعذر إليهم بأن بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين قال تعالى : { تلك القرى نقص عليك } أي يا محمد { من أنبائها } أي من أخبارها { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } أي الحجج على صدقهم فيما أخبروهم به كما قال تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقال تعالى : { ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم } وقوله تعالى : { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } الباء سببية أي فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم حكاه ابن عطية C وهو متجه حسن كقوله { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة } الاية ولهذا قال هنا { كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين * وما وجدنا لأكثرهم } أي لأكثر الأمم الماضية { من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } أي ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال والعهد الذي أخذه هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو فأقروا بذلك وشهدوا على أنفسهم به وخالفوه وتركوه وراء ظهورهم وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة لا من عقل ولا شرع وفي الفطرة السليمة خلاف ذلك وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك كما جاء في صحيح مسلم يقول الله تعالى : [ إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ] وفي الصحيحين [ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ] الحديث .
وقال تعالى في كتابه العزيز { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقوله تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } وقال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } إلى غير ذلك من الايات وقد قيل في تفسير قوله تعالى : { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } ما روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } قال كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق أي فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك وكذا قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن أنس واختاره ابن جرير وقال السدي { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } قال : ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها وقال مجاهد في قوله { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } هذا كقوله { ولو ردوا لعادوا } الاية