يقول تعالى إخبارا عن الملك لما رجعوا إليه بتعبير رؤياه التي كان رآها بما أعجبه وأيقنه فعرف فضل يوسف عليه السلام وعلمه وحسن اطلاعه على رؤياه وحسن أخلاقه على من ببلده من رعاياه فقال : { ائتوني به } أي أخرجوه من السجن وأحضروه فلما جاءه الرسول بذلك امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته ونزاهة عرضه مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه بل كان ظلما وعدوانا فقال : { ارجع إلى ربك } الاية وقد وردت السنة بمدحه على ذلك والتنبيه على فضله وشرفه وعلو قدره وصبره صلوات الله وسلامه عليه ففي المسند والصحيحين من حديث الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال { رب أرني كيف تحيي الموتى } الاية ويرحم الله لوطا كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ] وفي لفظ لأحمد : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم في قوله : { فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لو كنت أنا لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العذر ] .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ولكنه أراد أن يكون له العذر ] هذا حديث مرسل وقوله تعالى : { قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه } إخبار عن الملك حين جمع النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز فقال مخاطبا لهن كلهن وهو يريد امرأة وزيره وهو العزيز قال الملك للنسوة اللاتي قطعن أيديهن { ما خطبكن } أي شأنكن وخبركن { إذ راودتن يوسف عن نفسه } يعني يوم الضيافة { قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء } أي قالت النسوة جوابا للملك : حاش لله أن يكون يوسف متهما والله ما علمنا عليه من سوء فعند ذلك { قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق } قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : تقول الان تبين الحق وظهر وبرز { أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } أي في قوله : { هي راودتني عن نفسي } { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } تقول : إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر ولا وقع المحذور الأكبر وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين * وما أبرئ نفسي } تقول المرأة : ولست أبرىء نفسي فإن النفس تتحدث وتتمنى ولهذا راودته لأن { النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } أي إلا من عصمه الله تعالى : { إن ربي غفور رحيم } وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام .
وقد حكاه الماوردي في تفسيره وانتدب لنصره الإمام أبو العباس بن تيمية C فأفرده بتصنيف على حدة وقد قيل : إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول : { ذلك ليعلم أني لم أخنه } في زوجته { بالغيب } الايتين أي إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي وليعلم العزيز { أني لم أخنه } في زوجته { بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } الاية وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما جمع الملك النسوة فسألهن : هل راودتن يوسف عن نفسه ؟ { قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق } الاية قال يوسف { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } فقال جبريل عليه السلام : ولا يوم هممت بما هممت به ؟ فقال { وما أبرئ نفسي } الاية وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وابن أبي الهذيل والضحاك والحسن وقتادة والسدي والقول الأول أقوى وأظهر لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل بعد ذلك أحضره الملك