يقول تعالى : وكما أرسلناك يا محمد رسولا بشريا كذلك قد بعثنا المرسلين قبلك بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويأتون الزوجات ويولد لهم وجعلنا لهم أزواجا وذرية وقد قال تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي } وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ] وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول قال : قال أبو أيوب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ أربع من سنن المرسلين : التعطر والنكاح والسواك والحناء ] وقد رواه أبو عيسى الترمذي عن سفيان بن وكيع عن حفص بن غياث عن الحجاج عن مكحول عن أبي الشمال عن أبي أيوب فذكره ثم قال : وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال .
وقوله : { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } أي لم يكن يأتي قومه بخارق إلا إذا أذن له فيه ليس ذلك إليه بل إلى الله D يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد { لكل أجل كتاب } أي لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها وكل شيء عنده بمقدار { ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : { لكل أجل كتاب } أي لكل كتاب أجل يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين فلهذا { يمحو الله ما يشاء } منها { ويثبت } يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صوات الله وسلامه عليه وقوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } اختلف المفسرون في ذلك فقال الثوري ووكيع وهشيم عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير ! عن ابن عباس : يدبر أمر السنة فيمحو الله ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت وفي رواية { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : كل شيء إلا الموت والحياة والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما .
وقال مجاهد { يمحو الله ما يشاء ويثبت } إلا الحياة والموت والشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران وقال منصور : سألت مجاهدا فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء ؟ فقال : حسن : ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر فسألته عن ذلك فقال : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } الايتين قال : يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء فأما كتاب السعادة والشقاوة فهو ثابت لا يغير وقال الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة : إنه كان كثيرا ما يدعو بهذا الدعاء : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب رواه ابن جرير وقال ابن جرير أيضا : حدثنا عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن أبي حكيمة عصمة عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب Bه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي : اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة .
وقال حماد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن مسعود Bه أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضا ورواه شريك عن هلال بن حميد عن عبد الله بن عكيم عن ابن مسعود بمثله وقال ابن جرير : حدثني المثنى حدثنا حجاج حدثنا خصاف عن أبي حمزة عن إبراهيم أن كعبا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة قال : وما هي ؟ قال : قول الله تعالى : { يمحو الله ما يشاء } الاية ومعنى هذه الأقوال أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ويثبت منها ما يشاء وقد يستأنس لهذا القول بما ورواه الإمام احمد : حدثنا وكيع وحدثنا سفيان هو الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر ] ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري به .
وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر وفي حديث آخر [ إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض ] وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سهل بن عسكر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ـ والدفتان : لوحان ـ لله D كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وقال الليث بن سعد عن زيادة بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ] وذكر تمام الحديث رواه ابن جرير .
وقال الكلبي : يمحو الله ما يشاء ويثبت قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ويمحو من الأجل ويزيد فيه فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب عن النبي صلى الله عليه وسلّم ثم سئل بعد ذلك عن هذه الاية فقال : يكتب القول كله حتى إذ كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب مثل قولك : أكلت وشربت ودخلت وخرجت ونحو ذلك من الكلام وهو صادق ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب وقال عكرمة عن ابن عباس : الكتاب كتابان فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } يقول : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله وهو الذي يثبت وروي عن سعيد بن جبير أنها بمعنى { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { يمحو الله ما يشاء ويثبت } يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله { وعنده أم الكتاب } وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وما يبدل وما يثبت كل ذلك في كتاب وقال قتادة في قوله : { يمحو الله ما يشاء ويثبت } كقوله : { ما ننسخ من آية أو ننسها } الاية وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : قالت كفار قريش لما نزلت { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } : ما نرى محمدا يملك شيئا وقد فرغ من الأمر فأنزلت هذه الاية تخويفا ووعيدا لهم إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ونحدث في كل رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم .
وقال الحسن البصري { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : من جاء أجله يذهب ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير C وقوله : { وعنده أم الكتاب } قال : الحلال والحرام وقال قتادة : أي جملة الكتاب وأصله وقال الضحاك { وعنده أم الكتاب } قال : كتاب عند رب العالمين وقال سنيد بن داود : حدثني معتمر عن أبيه عن يسار عن ابن عباس أنه سأل كعبا عن أم الكتاب فقال : علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون ثم قال لعلمه : كن كتابا فكان كتابا وقال ابن جريج عن ابن عباس { وعنده أم الكتاب } قال : الذكر