يقول تعالى مخبرا عن الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب : { ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل } كقوله { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون } الاية وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم } الايتين وقال تعالى مخبرا عنهم في حال محشرهم { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم } الاية وقال : { ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا } الاية وقال تعالى : { وهم يصطرخون فيها } الاية قال تعالى ردا عليهم في قولهم هذا { أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال } أي أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحالة أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه وأنه لا معاد ولا جزاء فذوقوا هذا بذلك قال مجاهد وغيره { ما لكم من زوال } أي ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الاخرة كقوله { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } الاية { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال } أي قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر ولم يكن فيما أوقعنا بهم لكم مزدجر { حكمة بالغة فما تغن النذر } وقد روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن أن عليا Bه قال في هذه الاية { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } قال : أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين فرباهما حتى استغلظا واستفحلا وشبا قال : فأوثق رجل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت وجوعهما وقعد هو ورجل آخر في التابوت قال : ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم فطارا وجعل يقول لصاحبه : انظر ما ترى ؟ قال : أرى كذا وكذا حتى قال أرى الدنيا كلها كأنها ذباب قال : فصوب العصا فصوبها فهبطا جميعا قال : فهو قوله D : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } .
قال أبو إسحاق : وكذلك هي في قراءة عبد الله { وإن كان مكرهم } قلت : وكذا روي عن أبي بن كعب وعمر بن الخطاب Bهما أنهما قرآ { وإن كاد } كما قرأ علي وكذا رواه سفيان الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أذنان عن علي فذكر نحوه وكذا روي عن عكرمة أن سياق هذه القصة للنمروذ ملك كنعان أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر كما رام فرعون ملك القبط في بناء الصرح فعجزا وضعفا وهما أقل وأحقر وأصغر وأدحر وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها نودي أيها الطاغية أين تريد ؟ ففرق ثم سمع الصوت فوقه فصوب الرماح فصوبت النسور ففزعت الجبال من هدتها وكادت الجبال أن تزول من حس ذلك فذلك قوله : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } .
ونقل ابن جريج عن مجاهد أنه قرأها { لتزول منه الجبال } بفتح اللام الأولى وضم الثانية وروى العوفي عن ابن عباس في قوله : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } يقول : ما كان مكرهم لتزول منه الجبال وكذا قال الحسن البصري ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم بالله وكفرهم به ما ضر شيئا من الجبال ولا غيرها وإنما عاد وبال ذلك عليهم قلت : ويشبه هذا قول الله تعالى : { ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } والقول الثاني في تفسيرها ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } يقول : شركهم كقوله : { تكاد السموات يتفطرن منه } الاية وهكذا قال الضحاك وقتادة