يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السموات والأرض واختصاصه بعلم الغيب فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع وأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون كما قال : { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر } أي فيكون ما يريد كطرف العين وهكذا قال ههنا : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير } كما قال : { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } ثم ذكر تعالى منته على عباده في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ثم بعد هذا يرزقهم السمع الذي به يدركون الأصوات والأبصار التي بها يحسون المرئيات والأفئدة وهي العقول التي مركزها القلب على الصحيح وقيل : الدماغ والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه .
كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : [ يقول تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن دعاني لأجيبنه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه ] فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها لله D فلا يسمع إلا لله ولا يبصر إلا لله أي ما شرعه الله له ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله D مستعينا بالله في ذلك كله ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح بعد قوله ورجله التي يمشي بها [ فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ] ولهذا قال تعالى : { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } كقوله تعالى في الاية الأخرى : { قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون * قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون } ثم نبه تعالى عباده إلى النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض كيف جعله يطير بجناحين بين السماء والأرض في جو السماء ما يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى التي جعل فيها قوى تفعل ذلك وسخر الهواء يحملها ويسير الطير كذلك كما قال تعالى في سورة الملك : { أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير } وقال ههنا : { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون }