الشاهد الثامن أن المراد بالأحرف في الأحاديث السابقة وجوه في الألفاظ وحدها لا محالة .
بدليل أن الخلاف الذي صورته لنا الروايات المذكورة كان دائرا حول قراءة الألفاظ لا تفسير المعاني مثل قول عمر إذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ثم حكم الرسول أن يقرأ كل منهما وقوله هكذا أنزلت .
وقوله أي ذلك قرأتم فقد أصبتم ونحو ذلك ولا ريب أن القراءة أداء الألفاظ لا شرح المعاني .
3 - معنى نزول القرآن على سبعة أحرف .
يهمنا بعد الذي أسلفنا إليك أن نبين لك معنى الجملة الشريفة إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فإليك .
أما لفظ القرآن فقد أشبعناه كلاما في المبحث الأول .
وأما الإنزال فقد استوفيناه تحقيقا في المبحث الثالث .
وأما السبعة فقد علمت في الشاهد الثاني من الشواهد الماضية أن المراد بها حقيقتها وهي العدد المعروف في الآحاد بين الستة والثمانية .
وأما الأحرف فجمع حرف والحرف يطلق على معان كثيرة أتى عليها صاحب القاموس إذ يقول ما نصه الحرف من كل شيء طرفه وشفيره وحده ومن الجبل أعلاه المحدد وواحد حروف التهجي والناقة الضامرة أو المهزولة أو العظيمة ومسيل الماء وآرام سود ببلاد سليم .
وعند النحاة ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل .
ومن الناس من يعبد الله على حرف أي وجه واحد وهو أن يعبده على السراء لا على الضراء أو على شك أو على غير طمأنينة من أمره أي لا يدخل في الدين متمكنا .
ونزل القرآن على سبعة أحرف سبع لغات من لغات العرب .
وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه وإن جاء على سبعة أو عشرة أو أكثر ولكن معناه أن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن ا ه .
بتصرف قليل .
وهذه الإطلاقات الكثيرة تدل على أن لفظ الحرف من قبيل المشترك اللفظي والمشترك اللفظي يراد به أحد معانيه التي تعينها القرائن وتناسب المقام .
وأنسب المعاني بالمقام هنا في إطلاقات لفظ الحرف أنه الوجه بالمعنى الذي سنقصه عليك لا بالمعنى الذي ذهب إليه صاحب القاموس وغيره من أنه اللغة أو غيرها .
فسيأتيك تفنيد هذه الآراء بعد .
ثم إن كلمة على في قوله أنزل القرآن على سبعة أحرف تشير إلى أن المسألة على هذا الشرط من التوسعة والتيسير أي أنزل القرآن موسعا فيه على القارىء أن يقرأه على سبعة أوجه يقرأ بأي حرف أراد منها على البدل من صاحبه كأنه قال أنزل على هذا الشرط وعلى هذه التوسعة