وقال جلت حكمته وسخر لكم ما في السموت وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لأيت لقوم يتفكرون 45 الجاثية 13 .
فلا يليق بالمسلمين وهم المخاطبون بهذا أن يفروا من وجه هذه المنافع العامة ولا أن يزهدوا في علوم الكون ولا أن يحرموا أنفسهم فوائد التمتع بثمرات هذه القوى العظيمة التي أودعها الله لخلقه في خزائن سمواته وأرضه .
ولهذا نص علماؤنا على أن تعلم تلك العلوم الكونية وحذق هذه الصناعات الفنية فرض من فروض الكفايات ما داموا في حاجة إليها لمصلحة الفرد أو المجموع .
وذلك لأن البقاء في هذه الحياة للأصلح والحياة في هذا الوجود للسلام المسلح والأسلحة في كل عصر عامة وفي هذا العصر خاصة إنما تقوم على التمهر في العلوم وعلى السبق في حلبة الصناعات والفنون .
والويل فينا للضعيف والحظ كل الحظ للقوي والله تعالى يقول وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة 8 الأنفال 60 والنبي يقول فيما رواه مسلم عن أبي هريرة المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير .
احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا .
ولكن قل قدر الله وما شاء فعل .
فإن لو تفتح عمل الشيطان .
إعجاز علمي للقرآن .
وأحب ألا أنتهي من هذا الموضوع حتى أنبهك إلى شيء آخر جدير بالنظر والتقدير وهو أن القرآن الكريم في طريقة عرضه للهداية والإعجاز على الخلق قد حاكم الناس إلى عقولهم وفتح عيونهم إلى الكون وما في الكون من سماء وأرض وبر وبحر وحيوان ونبات وخصائص وظواهر ونواميس وسنن .
وكان القرآن في طريقة عرضه هذه موفقا كل التوفيق بل كان معجزا أبهر الإعجاز لأن حديثه عن تلك الكونيات كان حديث العليم بأسرارها الخبير بدقائقها المحيط بعلومها ومعارفها على حين أن هذا الذي جاء بالقرآن رجل أمي نشأ في أمة أمية جاهلة لا صلة لها بتلك العلوم وتدوينها ولا إلمام لها بكتبها ومباحثها .
بل إن بعض تلك العلوم لم ينشأ إلا بعد عهد النبوة ومهبط الوحي بقرون وأجيال .
فأنى يكون لرجل أمي كمحمد ذلك السجل الجامع لتلك المعارف كلها إن لم يكن تلقاه من لدن حكيم عليم قال سبحانه مقررا لهذا الإعجاز العلمي وما كنت تتلوا من قبله من كتب ولا تخطه بيمينك إذا لأرتاب المبطلون بل هو ءايات بينت في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظلمون 29 العنكبوت 48 49 ولعل من الحكمة أن نسوق لك نموذجين من القرآن على سبيل التمثيل أولهما في سورة النور إذ يقول الله تعالى ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار 24 النور 43