الجمع وأنه دام عليه ولم يرجع عنه لا نسلم أنه يدل على إبطال تواتر القرآن فإن التواتر كما أسلفنا يكفي في القطع بصحة مرويه أن ينقل عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب بشروطه وليس من شروطه ألا يخالف فيه مخالف حتى يقدح في تواتر القرآن أن يخالف فيه ابن مسعود أو غير ابن مسعود ما دام جم غفير من الصحابة قد أقروا جمع القرآن على هذا النحو في عهد أبي بكر مرة وفي عهد عثمان مرة أخرى .
الشبهة الخامسة .
يقولون كيف يكون القرآن متواترا .
مع ما يروى عن زيد بن ثابت أنه قال في الجمع على عهد أبي بكر ما نصه فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره وهما لقد جاءكم رسول إلى آخر السورة .
ثم كيف يكون القرآن متواترا مع ما يروى أيضا عن زيد بن ثابت أنه قال في الجمع على عهد عثمان ما نصه فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله شهادته بشهادة رجلين من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه 33 الأحزاب 23 .
والجواب على هذه الشبهة أولا أن كلام زيد بن ثابت هذا لا يبطل التواتر .
وبيان ذلك أن الآيتين ختام سورة التوبة لم تثبت قرآنيتهما بقول أبي خزيمة وحده .
بل ثبتت بأخبار كثرة غامرة من الصحابة عن حفظهم في صدورهم وإن لم يكونوا كتبوه في أوراقهم .
ومعنى قول زيد حتى وجدت من سورة التوبة آيتين لم أجدهما عند غيره أنه لم يجد الآيتين اللتين هما ختام سورة التوبة مكتوبتين عند أحد إلا عند أبي خزيمة فالذي انفرد به أبو خزيمة هو كتابتهما لا حفظهما وليس الكتابة شرطا في المتواتر بل المشروط فيه أن يرويه جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ولو لم يكتبه واحد منهم فكتابة أبي خزيمة الأنصاري كانت توثقا واحتياطا فوق ما يطلبه التواتر ويقتضيه فكيف نقدح في التواتر بانفراده بها .
ثانيا يقال مثل ذلك فيما روي عن زيد في آية سورة الأحزاب من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فإن معناه أن زيدا لم يجدها مكتوبة عند أحد إلا عند خزيمة بن ثابت الأنصاري .
ويدل على أن هذا هو المعنى الذي أراده زيد بعبارته تلك قول زيد نفسه فقدت آية من سورة الأحزاب الخ فإن تعبيره بلفظ فقدت يشعر بأنه كان يحفظ هذه الآية وأنها كانت معروفة له غير أنه فقد مكتوبها فلم يجده إلا مع خزيمة وإلا فمن الذي أنبأ زيدا أنه فقد آية