والاستظهار ولا يزال التعويل حتى الآن على التلقي من صدور الرجال ثقة عن ثقة وإماما عن إمام إلى النبي .
غير أن الرجل الأمي والأمة الأمية يكونان أسبق من غيرهما إلى الحفظ للمعنى الذي أسلفناه لك .
العامل الثاني .
أن الصحابة كانوا أمة يضرب بها المثل في الذكاء والألمعية وقوة الحافظة وصفاء الطبع وسيلان الذهن وحدة الخاطر وفي التاريخ العربي شواهد على ذلك يطول بنا تفصيلها ولعلها على بال منك .
حتى لقد كان الرجل منهم ربما يحفظ ما يسمعه لأول مرة مهما كثر وطال وربما كان من لغة غير لغته ولسان سوى لسانه وحسبك أن تعرف أن رؤوسهم كانت دواوين شعرهم وأن صدورهم كانت سجل أنسابهم وأن قلوبهم كانت كتاب وقائعهم وأيامهم كل أولئك كانت خصائص كامنة فيهم وفي سائر الأمة العربية من قبل الإسلام ثم جاء الإسلام فأرهف فيهم هذه القوى والمواهب وزادهم من تلك المزايا والخصائص بما أفاد طبعهم من صقل ونفوسهم من طهر وعقولهم من سمو خصوصا إذا كانوا يسمعون لأصدق الحديث وهو كتاب الله ولخير الهدى وهو هدي محمد .
العامل الثالث .
بساطة هذه الأمة العربية واقتصارها في حياتها على ضروريات الحياة من غير ميل إلى الترف ولا إنفاق جهد أو وقت في الكماليات .
فقد كان حسب الواحد منهم لقيمات يقمن صلبه وكان يكفيه من معيشته ما يذكره شاعرهم في قوله .
وما العيش إلا نومة وتبطح ... وتمر على رأس النخيل وماء .
ومثلك يعلم أن هذه الحياة الهادئة الوادعة وتلك العيشة الراضية القاصدة توفر الوقت والمجهود وترضي الإنسان بالموجود ولا تشغل البال بالمفقود .
ولهذا أثره العظيم في صفاء الفكرة وقوة الحافظة وسيلان الأذهان خصوصا أذهان الصحابة في اتجاهها إلى حفظ القرآن وحديث النبي E وذلك على حد قول القائل فصادف قلبا خاليا فتمكنا .
العامل الرابع .
حبهم الصادق لله ولرسوله حبا ملك مشاعرهم واحتل مكان العقيدة فيهم .
وأنت تعرف من دراسة علم النفس أن الحب إذا صدق وتمكن حمل المحب حملا على ترسم