العامل التاسع .
اقتران القرآن دائما بالإعجاز واقتران بعض الأحاديث النبوية بأمور خارقة للعادة تروع النفس وتشوق الناظر وتهول السامع .
وإنما اعتبرنا ذلك الإعجاز وخرق العادة من عوامل حفظ الصحابة لأن الشأن فيما يخرج على نواميس الكون وقوانينه العامة أن يتقرر في حافظة من شاهده وأن يتركز في فؤاد كل من عاينه فردا كان أو أمة حتى لقد يتخذ مبدأ تؤرخ بحدوثه الأيام والسنون وتقاس بوجوده الأعمار والآجال .
أما القرآن الكريم فإعجازه سار فيه سريان الماء في العود الأخضر لا تكاد تخلو سورة ولا آية منه .
وأعرف الناس بوجوه إعجازه وأعظمهم ذوقا لأسرار بلاغته هم أصحاب محمد لأنهم يصدرون في هذه المعرفة وهذا الذوق عن فطرتهم العربية الصافية وسليقتهم السليمة السامية وتمهرهم في فنون البيان وصناعة اللسان .
ومن هذا كان القرآن حياتهم الصحيحة به يقومون ويقعدون وينامون ويستيقظون ويعيشون ويتعاملون ويلتذون ويتعبدون .
وهذا هو معنى كونه روحا في قول الله سبحانه وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا 42 الشورى 52 .
وليست هناك طائفة في التاريخ تمثل فيها القرآن روحا كما تمثل في هذه الطبقة العليا الكريمة طبقة الصحابة الذين وهبوه حياتهم فوهبهم الحياة وطبعهم طبعة جديدة حتى صاروا أشبه بالملائكة وهكذا سواهم الله بكتابه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخلقين 23 المؤمنون 14 .
وأما السنة النبوية فقد اقترن بعضها بمعجزات خارقة وأمامك أحاديث المعجزات وهي كثيرة فيها المعجب والمطرب .
غير أن نربأ بك أن تكون فيها كحاطب ليل على حين أن بين أيدينا في الصحيح منها ألجم الغفير والعدد الكثير ولا ينبئك مثل خبير 35 فاطر 14 .
وهاك نموذج واحدا رواه البخاري ومسلم عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي Bه أن رسول الله قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية غدا رجل يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبات الناس يدوكون أي يخوضون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجوا أن يعطاها .
فقال أين علي بن أبي طالب فقيل يا رسول الله هو يشتكي مرضا بعينيه قال فأرسلوا إليه .
فأتي به فبصق رسول الله بعينيه ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع .
فأعطاه الراية فقال علي Bه يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم