تعالى كتب على نفسه الرحمة ليجمعنه له في صدره وليطلقن لسانه بقراءته وترتيله وليميطن له اللثام عن معانيه وأسراره .
اقرأ إن شئت قوله سبحانه لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأنه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه 75 القيامة 16 - 19 .
ثم بلغ الرسول ما أنزل عليه لأصحابه وقرأه على الناس على مكث أي على مهل وتؤدة ليحسنوا أخذه ويحفظوا لفظه ويفهموا سره .
ثم شرح الرسول لهم القرآن بقوله وبعمله وبتقريره وبخلقه أي بسنته الجامعة لأقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته مصداقا لقوله سبحانه وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون 16 النحل 44 .
ولكن الصحابة وقتئذ كانوا عربا خلصا متمتعين بجميع خصائص العروبة ومزاياها الكاملة من قوة في الحافظة وذكاء في القريحة وتذوق للبيان وتقدير للأساليب ووزن لما يسمعون بأدق المعايير حتى أدركوا من علوم القرآن ومن إعجازه بسليقتهم وصفاء فطرتهم ما لا نستطيع نحن أن ندركه مع رحمة العلوم وكثرة الفنون .
وكان الصحابة رضوان الله عليهم مع هذه الخصائص أميين وأدوات الكتابة لم تكن ميسورة لديهم والرسول نهاهم أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن وقال لهم أول العهد بنزول القرآن فيما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري Bه لا تكتبوا عني .
ومن كتب غير القرآن فليمحه .
وحدثوا عني فلا حرج .
ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .
وذلك مخافة أن يلتبس القرآن بغيره أو يختلط بالقرآن ما ليس منه ما دام الوحي نازلا بالقرآن .
فلتلك الأسباب المتضافرة لم تكتب علوم القرآن كما لم يكتب الحديث الشريف .
ومضى الرعيل الأول على ذلك في عهد الشيخين أبي بكر وعمر .
ولكن الصحابة كانوا مضرب الأمثال في نشر الإسلام وتعاليمه والقرآن وعلومه والسنة وتحريرها تلقينا لا تدوينا ومشافهة لا كتابة .
عهد التمهيد لتدوين علوم القرآن .
ثم جاءت خلافة عثمان Bه وقد اتسعت رقعة الإسلام واختلط العرب الفاتحون بالأمم التي لا تعرف العربية وخيف أن تذوب خصائص العروبة من العرب من جراء هذا الفتح والاختلاف بل خيف على القرآن نفسه أن يختلف المسلمون فيه إن لم يجتمعوا على مصحف إمام فتكون فتنة في الأرض وفساد كبير .
لهذا أمر Bه أن يجمع القرآن في مصحف إمام وأن تنسخ منه مصاحف يبعث بها إلى أقطار الإسلام وأن يحرق الناس كل ما عداها ولا يعتمدوا سواها .
كما يأتيك تفصيله في مبحث جمع القرآن وكتابته