يحل في مكان أو ينحدر من علو إلى سفل سواء أردنا به الصفة القديمة المتعلقة بالكلمات الغيبية الأزلية أم أردنا به نفس تلك الكلمات أم أردنا به اللفظ المعجز لما علمت من تنزه الصفة القديمة ومتعلقها وهو الكلمات الغيبية عن الحوادث وأعراض الحوادث ولما تعرفه من أن الألفاظ أعراض سيالة تنقضي بمجرد النطق بها كما يقولون .
إذن فنحن بحاجة إلى التجوز والمجاز بابه واسع وميدانه فسيح .
وليكن المعنى المجازي لإنزال القرآن هو الإعلام في جميع إطلاقاته .
أما على أن المراد بالقرآن الصفة القديمة أو متعلقها فإنزاله الإعلام به بواسطة ما يدل عليه من النقوش بالنسبة لإنزاله في اللوح المحفوظ وفي بيت العزة من السماء الدنيا وبواسطة ما يدل عليه من الألفاظ الحقيقية بالنسبة لإنزاله على قلب النبي والعلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي هي اللزوم لأن إنزال شيء إلى شيء يستلزم إعلام من أنزل إليه ذلك الشيء به إن كان عاقلا ويستلزم إعلام من يطلع عليه من الخلق به مطلقا وإذن فالمجاز مرسل .
وأما على أن المراد بالقرآن اللفظ المعجز فمعنى إنزاله الإعلام به أيضا ولكن بوساطة إثباته هو أو إثبات داله فإثباته هو بالنسبة لإنزاله على قلب النبي وإثبات داله بالنسبة إلى اللوح المحفوظ وبيت العزة والعلاقة اللزوم كذلك والمجاز مرسل كسابقه .
ويمكن أن يكون هذا التجوز من قبيل الاستعارة التصريحية الأصلية بأن يشبه إعلام السيد لعبده بإنزال الشيء من علو إلى سفل بجامع أن في كل من طرفي التشبيه صدورا من جانب أعلى إلى جانب أسفل وإن كان العلو والسفل في وجه الشبه حسيا بالنسبة إلى المشبه به ومعنويا بالنسبة إلى المشبه .
وأنت خبير بأن النزول مطاوع الإنزال فما يجري من التجوز في أحدهما يجري نظيره في الآخر .
وقل مثل ذلك في التنزيل والتنزل .
وكأن وجه اختيار التعبير بمادة الإنزال وما تصرف منها أو التقى معها هو التنويه بشرف ذلك الكتاب نظرا إلى ما تشير إليه هذه المادة من علو صاحب هذا الكتاب المنزل علوا كبيرا كما قال تعالى في فاتحة سورة الزخرف حم والكتب المبين إنا جعلنه قرءنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتب لدينا لعلي حكيم 43 الزخرف 1 - 4 .
ثم إن تأويل الإنزال بالإعلام على ما رأيت هو الأقرب والأوفق بالمقام وذلك من وجوه ثلاثة .
أحدها أن تعلق الكلام تعلق دلالة وإفهام ولا ريب أن القرآن كلام فتأويل إنزاله بالإعلام رجوع إلى ما هو معلوم من تعلقه ومفهوم من تحققه