ومن أجل هذه العزة والندرة قال بعضهم إن الترجمة الحرفية مستحيلة وقال آخرون إنها ممكنة في بعض الكلام دون بعض ولقد علمت أنها بعد هذه الصعوبات يكتنفها الغموض وخفاء المعنى المقصود كما مر في المثال السابق أما الترجمة التفسيرية فميسورة فيما لا يعجز عنه البشر والمعاني المرادة من الأصل واضحة فيها غالبا ولهذا اعتمدوا عليها في الترجمات الزمنية وفضلها التراجم والمشتغلون بالترجمات على قسيمتها الترجمة الحرفية .
فروق بين الترجمة والتفسير .
ومهما تكن الترجمة حرفية أو تفسيرية فإنها غير التفسير مطلقا سواء أكان تفسيرا بلغة الأصل أم تفسيرا بغير لغة الأصل وقد أشرنا إلى ذلك إجمالا في شرح تعريف الترجمة آنفا ولكن كثيرا من الكاتبين اشتبه عليهم الأمر فحسبوا أن الترجمة التفسيرية هي التفسير بغير لغة الأصل أو هي ترجمة تفسير الأصل .
ثم رتبوا على ذلك أن خلعوا حكمها على ترجمة الأصل نفسه وكان لهذا اللبس والاشتباه مدخل في النزاع والخلاف لهذا نستبيح لأنفسنا أن نقف هنا وقفة طويلة نرسم فيها فروقا أربعة لا فرقا واحدا بين هذين المشتبهين في نظرهم .
الفارق الأول أن صيغة الترجمة صيغة استقلالية يراعى فيها الاستغناء بها عن أصلها وحلولها محله ولا كذلك التفسير فإنه قائم أبدا على الارتباط بأصله بأن يؤتى مثلا بالمفرد أو المركب ثم يشرح هذا المفرد أو المركب شرحا متصلا به اتصالا يشبه اتصال المبتدأ بخبره إن لم يكن إياه ثم ينتقل إلى جزء آخر مفرد أو جمله وهكذا من بداية التفسير إلى نهايته بحيث لا يمكن تجريد التفسير وقطع وشائج اتصاله بأصله مطلقا ولو جرد لتفكك الكلام وصار لغوا أو أشبه باللغو فلا يؤدي معنى سليما فضلا عن أن يحل في جملته وتفصيله محل أصله .
الفارق الثاني أن الترجمة لا يجوز فيها الاستطراد أما التفسير فيجوز بل قد يجب فيه الاستطراد وذلك لأن الترجمة مفروض فيها أنها صورة مطابقة لأصلها حاكية له فمن الأمانة أن تساويه بدقة من زيادة ولا نقص حتى لو كان في الأصل خطأ لوجب أن يكون الخطأ عينه في الترجمة بخلاف التفسير فإن المفروض فيه أنه بيان لأصله وتوضيح له وقد يقتضي هذا البيان والإيضاح أن يذهب المفسر مذاهب شتى في الاستطراد توجيها لشرحه أو تنويرا لمن يفسر لهم على مقدار حاجتهم إلى استطراده ويظهر ذلك في شرح الألفاظ اللغوية خصوصا إذا أريد بها غير ما وضعت له وفي المواضع التي يتوقف فهمها أو الاقتناع بها على ذكر مصطلحات أو سوق أدلة أو بيان حكمة