الحكم على هذه الترجمة بالاستحالة الشرعية .
الآن وقد تقرر أن ترجمة القرآن بهذا المعنى العرفي من قبيل المستحيل العادي لا نتردد أن نقرر أيضا أنها من قبيل المستحيل الشرعي أي المحظور الذي حرمه الله وذلك من وجوه ثمانية .
الوجه الأول أن طلب المستحيل العاجي حرمه الإسلام أيا كان هذا الطلب ولو بطريق الدعاء وأيا كان هذا المستحيل ترجمة أو غير ترجمة لأنه ضرب من العبث وتضييع للوقت والمجهود في غير طائل والله تعالى يقول ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة والنبي يقول لا ضرر ولا ضرار رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم يضاف إلى ذلك أن طلب المستحيل العادي غفلة أو جهل بسنن الله الكونية وبحكمته في ربط الأسباب بمسبباتها العادية تطمينا لخلقه ورجمة بعباده إن الله بالناس لرءوف رحيم .
ولقد يعذر بعض الجهلة إذا ظنوا أن بعض المحالات أمور ممكنة فطلبوها ولكن الذي يحاول ترجمة القرآن بهذا المعنى لا يعذر بحال لأن القرآن نفسه أعذر حين أنذر بأنه لا يمكن أن يأتي الجن والإنس بمثله وإن اجتمعوا له وكان بعضهم لبعض ظهيرا وبذلك قطعت جهيزة قول كل خطيب .
الوجه الثاني أ ن محاولة هذه الترجمة فيها ادعاء عمل لإمكان وجود مثل أو أمثال للقرآن وذلك تكذيب شنيع لصريح الآية السابقة ولقوله سبحانه قال الذين لا يرجون لقاءنا أئت بقرءان غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبد له من تلقائ نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون .
فإن المتأمل في هاتين الآيتين يجد فيهما وجوها دالة على التحريم حيث عنون الله عن طلاب التبديل بأنهم لا يرجون لقاءه وأمر الرسول أن ينفى نفيا عاما إمكانه تبديله من تلقاء نفسه كما أمره أن يعلن أن اتباعه مقصور على ما يوحى إليه نسخا أو إحكاما ومعنى هذا أن التبديل هو هوى من الأهواء الباطلة والرسول لا يتبع أهواءهم ولا هوى نفسه ولا هوى أحد وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي وفي ختام الآية الأولى إشارة إلى أن هذه المحاولة التي يحاولونها عصيان لله وأنه يخاف منها عذاب يوم عظيم وفي الآيه الثانية إعلام بأن القرآن من محض فضل الله وأن الرسول ما كان يستطيع تلاوته عليهم ولا كان يعلمهم به على لسان رسوله لولا مشيئة الله وإيحاؤه به ثم حاكمهم إلى الواقع وهو أن الرسول نشأ بينهم وعاش عمرا طويلا فيهم حتى عرفوا