فيه وبعد ذلك نستعرض المذاهب الأخرى وما استندت إليه على أنها شبهات ندفعها عن عرين الحق وأغشية نرفعها عن وجه الصواب .
أدلة ثبوت النسخ عقلا وسمعا .
لأجل أن نثبت النسخ في مواجهة منكريه جميعا نقيم أدلة على جوازه العقلي وأدلة أخرى على وقوعه السمعي .
أدلة جواز النسخ عقلا .
أما أدلة جوازه العقلي فأربعة إجمالا ولا يضير بعضها أن يكون دليلا على الجواز والوقوع معا .
الدليل الأول أن النسخ لا محظور فيه عقلا وكل ما كان كذلك جائز عقلا أما الكبرى فمسلمة وأما الصغرى فيختلف دليلها عند أهل السنة عن دليلها عند المعتزلة تبعا لاختلاف الفرقتين في أن أحكام الله تعالى يجب أن تتبع المصلحة لعبادة أو لا يجب أن تتبعها .
فأهل السنة يقولون إنه لا يجب على الله تعالى لعباده شيء بل هو سبحانه الفاعل المختار والكبير المتعال وله بناء على اختياره ومشيئته وكبريائه وعظمته أن يأمر عباده بما شاء وينهاهم عما شاء وأن يبقي من أحكامه على ما شاء وأن ينسخ منها ما شاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده ولكن ليس معنى هذا انه عابث أو مستبد أو ظالم بل إن أحكامه وأفعاله كلها جل جلاله لا تخلو عن حكمة بالغة وعلم واسع وتنزه عن البغي والظلم وما ربك بظلم للعبيد ولا يظلم ربك إن ربك عليم حكيم إن الله بالناس لرءوف رحيم .
والمعتزلة يقولون إنه تعالى يجب أن يتبع في أحكامه مصالح عباده فما كان فيه مصلحة لهم أمرهم به وما كان فيه مضرة عليهم نهاهم عنه وما دار بين المصلحة تارة والمفسدة أخرى أمرهم به تارة ونهاهم عنه أخرى .
إذا تقرر هذا فإن صغرى ذلك الدليل نستدل عليها من مذهب أهل السنة هكذا النسخ تصرف في التشريع من الفاعل المختار الكبير المتعال الذي لا يجب عليه رعاية مصالح عباده في تشريعه وإن كان تشريعه لا يخلو من حكمة وكل ما كان كذلك لا محظور فيه عقلا