الشبهة الرابعة ودفعها .
يقولون إن النسخ يستلزم اجتماع الضدين واجتماعهما محال وبيان ذلك أن الأمر بالشيء يقتضي أنه حسن وطاعة ومحبوب لله والنهي عنه يقتضي أنه قبيح ومعصية ومكروه له تعالى فلو أمر الله بالشيء ثم نهى عنه او نهى عن الشيء ثم أمر به لاجتمعت هذه الصفات المتضادة في الفعل الواحد الذي تعلق به الأمر والنهي .
وندفع هذه الشبهة بأن الحسن والقبح وما اتصل بهما ليست من صفات الفعل الذاتية حتى تكون ثابتة فيها لا تتغير بل هي تابعة لتعلق أمر الله ونهيه بالفعل وعلى هذا يكون الفعل حسنا وطاعة ومحبوبا لله ما دام مأمورا به من الله ثم يكون هذا الفعل نفسه قبيحا ومعصية ومكروها له تعالى ما دام منهيا عنه منه تعالى والقائلون بالحسن والقبح العقليين من المعتزلة يقرون بأنهما يختلفان باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال وبهذا التوجيه ينتفي اجتماع الضدين لأن الوقت الذي يكون فيه الفعل حسنا غير الوقت الذي يكون فيه ذلك الفعل قبيحا فلم يجتمع الحسن والقبح في وقت واحد على فعل واحد ب .
شبهات المنكرين للنسخ سمعا .
لقد نوعنا هؤلاء فيما سبق إلى أنواع وقلنا إن لكل منهم طريقة خاصة في تكييف دعواه وفي صياغة شبهته وها هي ذي دعاويهم وشبهاتهم تلقى حتفها بين يديك فيما نسوقه إليك .
شبهة العنانية والشمعونية .
يقولون إن التوارة التي أنزلها الله على موسى لم تزل محفوظة لدينا منقولة بالتواتر فيما بيننا وقد جاء فيها هذه شريعة مؤبدة ما دامت السموات والأرض وجاء فيها أيضا الزموا يوم السبت أبدا وذلك يفيد امتناع النسخ لأن نسخ شيء من أحكام التوراة لا سيما تعظيم يوم السبت إبطال لما هو من عنده تعالى .
وندفع هذه الشبهة بوجوه خمسة .
أولها أن شبهتهم هذه أقصر من مدعاهم قصورا بينا لأن قصارى ما تقتضيه إن سلمت هو امتناع نسخ شريعة موسى عليه السلام بشريعة أخرى أما تناسخ شرائع سواها فلا تدل هذه الشبهة على امتناعه بل يبعد أن ينكر اليهود انتساخ شرائع الإسرائيليين قبل اليهودية بشريعة موسى فكان المنظور أن تجيء دعواهم اقصر مما هو محكى عنهم بحيث تتكافأ ودليلهم الذي زعموه أو أن يجيء دليلهم الذي زعموه أعم من هذا حتى يتكافأ ودعواهم التي ادعوها