رابعها أن لفظ التأبيد الذي اعتمدوا عليه فيما نقلوه لا يصلح حجة لهم لأنه يستعمل كثيرا عند اليهود معدولا به عن حقيقة من ذلك ما جاء في البقرة التي أمروا بذبحها هذه سنة لكم أبدا وما جاء في القربان قربوا كل يوم خروفين قربانا دائما مع أن هذين الحكمين منسوخان باعتراف اليهود أنفسهم على رغم التصريح فيهما بما يفيد التأبيد كما ترى .
خامسها أن نسخ الحكم المؤبد لفظا جائز على الصحيح كما أشرنا إلى ذلك قبلا فلتكن هاتان العبارتان اللتان اعتمدوا عليهما منسوختين أيضا وشهبة التناقض تندفع بأن التأبيد مشروط بعدم ورود ناسخ فإذا ورد الناسخ انتفى ذلك التأبيد وتبين أنه كان مجرد تأبيد لفظي للابتلاء والاختبار فتأمل .
شبهة النصارى .
يقولون إن المسيح عليه السلام قال السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول وهذا يدل على امتناع النسخ سمعا .
وندفع هذه الشبهة أولا بأنا لا نسلم أن الكتاب الذي بأيديهم هو الإنجيل الذي نزل على عيسى إن هو إلا قصة تاريخية وضعها بعض المسيحيين يبين فيها حياة المسيح وولادته ونشأته ودعوته والأماكن التي تنقل فيها والآيات التي ظهرت على يديه ومواعظه ومناظراته كما يتحدث فيها عن ذلك الحادث الخيالي حادث الصلب وعلى رغم أنها قصة فقد عجزوا عن إقامة الدليل على صحتها وعدالة كاتبها وأمانته وضبطه كما أعياهم اتصال السند وسلامته من الشذوذ والعلة بل ثبت علميا تناقض نسخ هذه القصة التي أسموها الإنجيل مما يدل على أنها ليست من عند ا لله ولو كانت من عند ا لله ما أتاها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وصدق الله في قوله عن القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .
ثانيا أن سياق هذه الكلمة في إنجليهم يدل على أن مراده بها تأبيد تنبؤاته وتأكيد أنها ستقع لا محالة أما النسخ فلا صلة لها به نفيا ولاإثباتا وذلك لأن المسيح حدث أصحابه بأمور مستقبلة وبعد أن انتهى من حديثه هذا أتى بهذه الجملة التي تشبثوا بها السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول ولا ريب أن لسياق الكلام تأثيره في المراد منه وهكذا شرحها المفسرون منهم للإنجيل وقالوا إن فهمها على عمومها لا يتفق وتصريح المسيح بأحكام ثم تصريحه بما يخالفها من ذلك أنه قال لأصحابه كما جاء في إنجيل متى إلى طريق أمم لا تمضوا ومدينة للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالجري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة وهذا اعتراف بخصوص رسالته لنبي إسرائيل ثم قال مرة أخرى كما في إنجيل مرقس