الأثقل بتكليف ثقيل لأن الناس لو بوغتوا من أول الأمر بالثقيل مثلا لعجزوا ونفروا وانعكس المقصود من هدايتهم ولذلك نشاهد حكماء المربين وساسة الأمم القادرين يبتدئون في تربيتهم وسياستهم بأيسر الأمور ثم بعد ذلك يتدرجون ولا يطفرون .
ثالثا أن دليلهم هذا منقوض بما لا يسعهم إنكاره وهو تكليف الله عباده ابتداء ونقلهم من الإباحة المطلقة أو البراءة الأصلية إلى مشقة التكاليف المتنوعة فما يكون جوابا لهم عن هذه يكون جوابا لنا عما منعوه هنا .
رابعا أنهم متناقضون فإن مصلحة العباد التي جعلوها مناط شبهتهم تأبى مفاجأة الناس بالأشد من غير تمهيد بالأخف ومذهبهم لا يأبى التكليف من أول الأمر بالأشد دون تمهيد بالأخف .
خامسا أننا لا نسلم أن مقصود الشارع من التكاليف هو مجرد مصالح الناس بل تارة يكون المقصد هو المصلحة وتارة يكون المقصد هو الابتلاء والاختبار ليميز الله الخبيث من الطيب حتى لا يكون لأحد بعد تمايز الناس بابتلائه حجة وقد أعلن الله هذا المقصد الثاني في آيات كثيرة منها قوله سبحانه ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ومنها قوله عز اسمه ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ومنها قوله جلت حكمته الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا .
وإذن فنسخ الحكم بأشد قد يكون ابتلاء للعباد إن لم يكن مصلحة لهم وتلك حكمة بالغة تلغي عن الله العبث .
سادسا أن الحكم الأشد الناسخ قد يكون هو المصلحة للعباد دون الحكم الأخف المنسوخ لأنه على رغم شدته وثقله يشتمل على داعية لامتثاله لا توجد في الحكم الأول وقت النسخ من ترغيب أو ترهيب أو تجلية لمزايا وفوائد من وراء الحكم الجديد في الدنيا أو في الآخرة تأمل آيتي التحريم النهائي للخمر وما انطوتا عليه من هذه الألوان ثم تأمل آيات مشروعية الجهاد وما فيها من ضروب الترغيب والترهيب وتحريك العزائم إلى السخاء بالنفوس والأموال إلى غير ذلك مما تدركه في الأحكام الناسخة بأقل تبصر وإمعان .
الشبهة الثالثة ودفعها .
يقول المانعون لنسخ الأخف بالأثقل سمعا فقط إن الله تعالى يقول ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ومعنى هذا أن الشدائد التي كانت على من قبلنا رفعها الله عنا ونسخ الأخف بالأشد مخالف لهذا الوعد الصريح فهو ممنوع سمعا