ثالثها أن هذا النوع من النسخ قد وقع فعلا والوقوع دليل الجواز وزيادة .
ثم إن لهم على وقوع هذا النوع من النسخ دليلين .
الدليل الأول أن الله تعالى حين حدثنا عن إبراهيم وولده إسماعيل صلوات الله وسلامه عليهما قال فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين ونديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلؤا المبين وفدينه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين فأنت ترى في هذا العرض الكريم لقصة إبراهيم الخليل وولده الذبيح إسماعيل ما يفيد أنه سبحانه قد أمر إبراهيم بذبح ولده ثم نسخ ما أمره به قبل أن يتمكن من تنفيذه وفعله .
أما أنه أمره بالذبح فيرشد إليه أولا قول إبراهيم لولده أني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى لأن رؤيا الأنبياء حق من ناحية ولأن مفاوضة إبراهيم لولده في هذا الأمر الجلل تدل على أن هذا أمر لا بد منه من ناحية أخرى وإلا لما فاوضه تلك المفاوضة الخطيرة المزعجة التي هي أول مراحل السعي إلى التنفيذ .
ثانيا أن إسماعيل أجاب أباه بإعلان خضوعه وامتثاله لأمر ربه قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصبرين .
ثالثا أن إبراهيم اتخذ سبيله إلى مباشرة الأسباب القريبة للذبح حيث أسلم ولده وأسلم إسماعيل نفسه فلما أسلما وتله للجبين .
رابعا أن الله ناداه بأنه قد صدق الرؤيا أي فعل فعل من صدقها وحققها ولو لم يكن هذا أمرا من الله واجب الطاعة ما مدحه الله على تصديقه لرؤياه وسعيه إلى تحقيق ما أمره مولاه .
خامسا أن الله فدى إبراهيم يذبح عظيم فلو لم يكن ذبح إسماعيل مطلوبا لما كان ثمة داع يدعو إلى الفداء .
سادسا أن الله امتدح إبراهيم بأنه من المؤمنين ومن المحسنين المستحقين لإكرام الله إياه بالفرج بعد الشدة وقرر سبحانه أن هذا هو البلاء المبين وكافأه بأنه ترك عليه في الآخرين سلام على إبراهيم وكل ذلك يدل على أن الله أمره فأطاع وابتلاه أشد الابتلاء فاستسلم وانصاع