دل عليه قياس ومثلوا لذلك بأن يوجب الشارع إكرام زيد لسخائه فنقيس عليه عمرا لوجود علة السخاء فيه ثم بعد ذلك يوجب الشارع إهانة بكر لكونه سكيرا فنقيس عليه عمر المذكور لوجود علة السكر فيه وبذلك ينتسخ وجوب إكرام عمر وبوجوب إهانته عند ترجيح هذا القياس الثاني على الأول .
ثانيتها أن ينسخ القياس حكما دل عليه نص كأن ينص الشارع على إباحة النبيذ ثم بعد ذلك يحرم الخمر لإسكاره فنقيس النبيذ عليه لوجود علة الإسكار فيه وبذلك ينتسخ حكم الإباحة الثابت نصا بحكم التحريم الثابت قياسا .
ثالثتها أن ينسخ النص قياسا كأن يحرم الشارع الخمر لكونه مسكرا فنحمل عليه النبيذ لإسكاره ثم بعد ذلك ينص الشارع على إباحة النبيذ فتنسخ حرمة النبيذ الثابتة قياسا بإباحته الثابتة نصا .
وقد اختلف علماؤنا فمنهم من منع نسخ القياس والنسخ به مطلقا ومنهم من جوزه مطلقا ومنه من فصل والجمهور على جواز نسخه والنسخ به إن كان قطعيا وعلى منعه إن كان ظنيا والقطعي ما قطع فيه بنفي الفارق كقياس صب البول في الماء الراكد على البول فيه فيأخذ حكمه وهو الكراهة .
أدلة المانعين مطلقا .
وقد استدل القائلون بمنع نسخ القياس مطلقا بأن نسخه يقتضي ارتفاع حكم الفرع مع بقاء حكم الأصل وهذا لا يقبله العقل لأن العلة التي رتب عليها الشارع حكم الأصل موجودة في الفرع وهي قاضية ببقاء الحكم في الفرع ما دام باقيا في الأصل .
ونوقش هذا الاستدلال بأمرين أحدهما أن نسخ القياس لا يقتضي ما ذكروه بل يقتضي ارتفاع حكم الأصل تبعا لارتفاع حكم الفرع على معنى أن نسخ حكم الفرع يدل على أن الشارع قد ألغى العلة التي رتب عليها حكم الأصل وإلغاؤها يقتضي ارتفاع حكمه .
والآخر أنه لا مانع عقلا من أن ينسخ الشارع الفرع بناء على أنه اعتبر قيدا في العلة لم يكن معتبرا من قبل وهذا القيد موجود في الأصل وليس موجودا في الفرع .
هذا دليل المانعين لجواز نسخ القياس مطلقا مع مناقشته أما الدليل على منعهم جواز النسخ به مطلقا فيتلخص في أن المنسوخ به إما أن يكون نصا أو إجماعا أو قياسا لا جائز أن يكون نصا لأن دلالته أقوى من دلالة القياس والضعيف لا يرفع ما هو أقوى منه ولا جائز أن يكون المنسوخ به إجماعا لأن الإجماع لا يصلح أن يكون ناسخا ولا منسوخا كما سيأتي تحقيقه ولا جائز أن يكون قياسا لأنه يشترط لصحة القياس أن يسلم