ويطامن من كبريائه ويخنع ويقول ما قالت الملائكة بالأمس سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .
قال بعض العارفين العقل مبتلى باعتقاد أحقية المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادة كالحكيم إذا صنف كتابا أجمل فيه أحيانا ليكون موضع خضوع المتعلم لأستاذه وكالملك يتخذ علامة يمتاز بها من يطلعه على سره وقيل لو لم يبتل العقل الذي هو أشرف البدن لاستمر العالم في أبهة العلم على التمرد فبذلك يستأنس إلى التذلل بذل العبودية والمتشابه هو موضع خضوع العقول لبارئها استسلاما واعترافا بقصورها ولهذا ختم الآية يريد آية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات بقوله وما يذكر إلا أولوا الألباب تعريضا للزائغين ومدحا للراسخين ويعني من لم يتذكر ويتعظ ويخالف هواه فليس من أولي العقول ومن ثم قال الراسخون في العلم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب فخضعوا لباريهم لاستنزال العلم اللدني بعد أن استعاذوا به من الزيغ النفساني اه .
خامستها ما ذكره الفخر الرازي أيضا بقوله لو كان أي القرآن كله محكما بالكلية لما كان مطابقا إلا لمذهب واحد وكان بصريحه مبطلا لجميع المذاهب المخالفة له وذلك منفر لأرباب المذاهب الأخرى عن النظر فيه أما وجود المتشابه والمحكم فيه فيطمع كل ذي مذهب أن يجد فيه كل ما يؤيد مذهبه فيضطر إلى النظر فيه وقد يتخلص المبطل عن باطله إذا أمعن فيه النظر فيصل إلى الحق .
يضاف إلى هذه الحكم الخمس ما ذكرناه عند الكلام على فواتح السور ودفع الشبهات عنها بالجزء الأول من هذا الكتاب بالطبعة الثانية .
وأما النوع الثاني والثالث من المتشابهات فتلوح لنا في ذكره واشتمال القرآن عليه حكم خمس أيضا .
أولاها تحقيق إعجاز القرآن لأن كل ما استتبع فيه شيئا من الخفاء المؤدي إلى التشابه له مدخل عظيم في بلاغته وبلوغه الطرف الأعلى في البيان ولو أخذنا في شرح هذا لضاق بنا المقام وخرجنا جملة من هذا الميدان إلى ميدان علوم البلاغة وما حوت من خواص وأسرار للإيجاز والإطناب والمساواة والتقديم والتأخير والذكر والحذف والحقيقة والمجاز ونحو ذلك .
ثانيتها تيسير حفظ القرآن والمحافظة عليه لأن كل ما احتواه من تلك الوجوه