الرأي الرشيد في متشابه الصفات .
علماؤنا أجزل الله مثوبتهم قد اتفقوا على ثلاثة أمور تتعلق بهذه المتشابهات ثم اختلفوا فيما وراءها .
فأول ما اتفقوا عليه صرفها عن ظواهرها المستحيلة واعتقاد أن هذه الظواهر غير مرادة للشارع قطعا كيف وهذه الظواهر باطلة بالأدلة القاطعة وبما هو معروف عن الشارع نفسه في محكماته .
ثانيه أنه إذا توقف الدفاع عن الإسلام على التأويل لهذه المتشابهات وجب تأويلها بما يدفع شبهات المشتبهين ويدر طعن الطاعنين .
ثالثه أن المتشابه إن كان له تأويل واحد يفهم منه فهما قريبا وجب القول به إجماعا وذلك كقوله سبحانه وهو معكم أين ما كنتم فإن الكينونة بالذات مع الخلق مستحيلة قطعا وليس لها بعد ذلك إلا تأويل واحد هو الكينونة معهم بالإحاطة علما وسمعا وبصرا وقدرة وإرادة .
وأما اختلاف العلماء فيما وراء ذلك فقد وقع على ثلاثة مذاهب .
المذهب الأول مذهب السلف ويسمى مذهب المفوضة بكسر الواو وتشديدها وهو تفويض معاني هذه المتشابهات إلى الله وحده بعد تنزيهه تعالى عن ظواهرها المستحيلة ويستدلون على مذهبهم هذا بدليلين .
أحدهما عقلي وهو أن تعيين المراد من هذه المتشابهات إنما يجري على قوانين اللغة واستعمالات العرب وهي لا تفيد إلا الظن مع أن صفات الله من العقائد التي لا يكفي فيها الظن بل لا بد فيها من اليقين ولا سبيل إليه فلنتوقف ولنكل التعيين إلى العليم الخبير .
والدليل الثاني نقلي يعتمدون فيه على عدة أمور منها حديث عائشة السابق وفيه فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم .
ومنها ما رواه الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله يقول لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الحديث .
ومنها ما أخرجه ابن مردويه عن أبيه عن جده عن رسول الله قال إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا وما تشابه فآمنوا به