متصف بصفة سمعية لا نعلمها على التعيين تسمى صفة الاستواء وطائفة المتأخرين يعينون فيقولون إن المراد بالاستواء هنا هو الاستيلاء والقهر من غير معاناة ولا تكلف لأن اللغة تتسع لهذا المعنى ومنه قول الشاعر العربي .
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق .
أي استوى وقهر أو دبر وحكم فكذلك يكون معنى النص الكريم الرحمن استولى على عرش العالم وحكم العالم بقدرته ودبره بمشيئته وابن دقيق العيد يقول بهذا التأويل إن رآه قريبا ويتوقف إن رآه بعيدا .
ومثل ذلك في نحو ويبقى وجه ربك ولتصنع على عيني يد الله فوق أيديهم والسموات مطويات بيمنه يخافون ربهم من فوقهم وجاء ربك وعنده مفاتح الغيب فالسلف يفوضون في معانيها تفويضا مطلقا بعد تنزيه الله عن ظواهرها المستحيلة والأشاعرة يفسرونها بصفات سمعية زائدة على الصفات التي نعلمها ولكنهم يفوضون الأمر في تعيين هذه الصفات إلى الله فهم مؤولون من وجه مفوضون من وجه والمتأخرون يفسرون الوجه بالذات ولفظ ولتصنع على عيني بتربية موسى ملحوظا بعناية الله وجميل رعايته ولفظ اليد بالقدرة ولفظ اليمين بالقوة والفوقية بالعلو المعنوي دون الحسي والمجيء في قوله وجاء ربك بمجيء أمره والعندية في قوله وعنده مفاتح الغيب بالإحاطة والتمكن أو بمثل ذلك في الجميع .
إرشاد وتحذير .
لقد أسرف بعض الناس في هذا العصر فخاضوا في متشابه الصفات بغير حق وأتوا في حديثهم عنها وتعليقهم عليها بما لم يأذن به الله ولهم فيها كلمات غامضة تحتمل التشبيه والتنزيه وتحتمل الكفر والإيمان حتى باتت هذه الكلمات نفسها من المتشابهات ومن المؤسف أنهم يواجهون العامة وأشباههم بهذا ومن المحزن أنهم ينسبون ما يقولون إلى سلفنا الصالح ويخيلون إلى الناس أنهم سلفيون من ذلك قولهم إن الله تعالى يشار إليه بالإشارة الحسية وله من الجهات الست جهة الفوق ويقولون إنه استوى على عرشه بذاته استواء حقيقا بمعنى أنه استقر فوقه استقرارا حقيقيا غير أنهم يعودون فيقولون ليس كاستقرارنا وليس على ما نعرف وهكذا يتناولون أمثال هذه الآية وليس لهم مستند فيما نعلم إلا التشبث بالظواهر ولقد تجلى لك مذهب السلف والخلف فلا نطيل بإعادته ولقد علمت أن حمل المتشابهات في الصفات على ظواهرها مع القول بأنها باقية على حقيقتها ليس رأيا لأحد من المسلمين وإنما هو رأي لبعض أصحاب الأديان الأخرى كاليهود والنصارى وأهل النحل الضالة كالمشبهة والمجسمة أما نحن معاشر