قل أنزله الذي يعلم السر في السموت والأرض .
تنزيلا ممن خلق الأرض والسموت العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السموت وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى .
ومن شواهد ما نذكر أننا نلاحظ في كثير من ألفاظ القرآن أنها اختيرت اختيارا يتجلى فيه وجه الإعجاز من هذا الاختيار وذلك في الألفاظ التي نمر بها على القرون والأجيال منذ نزل القرآن إلى اليوم فإذا بعض الأجيال يفهم منها ما يناسب تفكيره ويلائم ذوقه ويوائم معارفه وإذا أجيال أخرى تفهم من هذه الألفاظ عينها غير ما فهمته تلك الأجيال ولو استبدلت هذه الألفاظ بغيرها لم يصلح القرآن لخطاب الناس كافة وكان ذلك قدحا في أنه كتاب الدين العام الخالد ودستور البشرية في كل عصر ومصر فسبحان من أنزل هذا القرآن مشبعا لحاجات الجميع وافيا تجارب الجميع ملائما لأذواق الجميع متفقا ومعارف الجميع مما يدل دلالة واضحة على أنه كلام الله وحده أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا .
ولعل لنا عودة لمثل هذا الكلام في فرصة أخرى فلنمسك القلم عن الجولان في هذا الميدان ولنرجع عودا على بدء إلى أسلوب القرآن ولنذكر شيئا من خصائص أسلوب القرآن ومزاياه التي انفرد بها وكانت هي السر في إعجازه اللغوي أو البلاغي أو الأسلوبي .
خصائص أسلوب القرآن .
إن الخصائص التي امتاز بها أسلوب القرآن والمزايا التي توافرت فيه حتى جعلت له طابعا معجزا في لغته وبلاغته أفاض العلماء فيها بين مقل ومكثر ولكنهم بعد أن طال بهم المطاف وبعد أن دميت أقدامهم وحفيت أقلامهم لم يزيدوا على أن قدموا إلينا قلا من كثره وقطرة من بحر معترفين بأنهم عجزوا عن الوفاء وأن ما خفي عليهم فلم يذكروه أكثر مما ظهر لهم فذكروه وأنهم لم يزيدوا على أن قربوا لنا البعيد بضرب من التمثيل رجاء الإيضاح والتبيين أما الاستقصاء والإحاطة بمزايا الأسلوب القرآني وخصائصه على وجه الاستيعاب فأمر استأثر به منزله الذي عنده علم الكتاب .
وإذن فلنذكر نحن بدورنا شيئا من خصائص أسلوب القرآن على وجه التمثيل والتقريب أيضا وما لا يدرك كله لا يترك أقله .
الخاصة الأولى .
مسحة القرآن اللفظية فإنها مسحة خلابة عجيبة تتجلى في نظامه الصوتي وجماله اللغوي