لما جاء الإسلام وشرع أهله في إحياء موات العلم ونقل كتبه القيمة إلى لغتهم نظروا في كل شيء مستهدين بالأصول الأولية للقرآن الكريم كقوله تعالى إنا كل شيء خلقناه بقدر وقوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم فأدركوا على وجه عام أن لكل شيء في هذا الوجود نظاما يجري عليه كما فعل بعض المؤرخين وخاصة ابن خلدون ولكن المعارف التي كانت قد جمعت عن الأمم لم تكن تكفي لتكوين علم خاص بها وتلت هذا الدور نهضة أوروبا فادخر الله هذا السبق للفيلسوف الفرنسي الكبير أوجست كومت 1798 - 1853 واضع أصول الفلسفة الوضعية فإنه أول من جعل للاجتماع علما ووضعه في رأس جميع العلوم البشرية لشرف موضوعه من ناحية ولأنه لا يتسنى إلا لمن يأخذ من كل علم بطرف لتشعب بحوثه واستنادها على جملة المعارف البشرية .
فعلم الاجتماع البشري أحدث العلوم وضعا ولكنه أشرفها موضوعا إذ يعرفنا على أي الأصول تقوم الجماعات وبأيها تحفظ وجودها وترتقي وما هي عوامل التأليف التي تقوي وجودها وعوامل التحليل التي تفصم عرى ألفتها وهذه كلها معارف عالية ضرورية للمجتمع ضرورة على قوانين الصحة والطب لآحاده .
ثم ذكر من قواعد علم الاجتماع أن الإنسان لا يستطيع أن يؤثر في المجتمع لمجرد رأي يبدو له في إصلاحه ولكن ذلك لا يكون إلا إذا فهم الكافة سداد هذا الرأي وعملوا به عند ذاك يوجد في المجتمع ميل جديد للتحول عن الجهة التي يراد تحويله منها إلى الوجهة التي يريده على أن يكون عليها وهذا كله مصداق لقوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فمعنى الآية أن الأمة التي تريد أن يحول الله عنها حالا لا ترضاه لمجتمعها يجب عليها أن تغير من نفسيتها أولا فإن فعلت حول الله عنها ما تكره ووجه إليها من نعمه ما تحب وهذا وحده معجزة علمية للقرآن كان يجب أن يعقد لها فصل خاص وأن يشاد بذكرها أعظم إشادة فكشف هذا السر يجعلنا ندرك سر تنبيه القرآن على وجوب الدعوة إلى المعروف والنهي عن المنكر وبعد أن ساق أدلة عن الكتاب والسنة على ذلك قال .
القرآن أثبت أن للاجتماع نواميس ثابتة قبل أن يتخيلها أعلم علماء الأرض تخيلا وقد رأيت أن تعيين تلك النواميس والتحسس مما خفي منها هو الشغل الشاغل اليوم لفلاسفة الاجتماع فقال سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا وقال تعالى فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا