استظهاره حتى يبلغه للناس كما أنزل وكان E يجد من ذلك شدة على نفسه فوق الشدة العظمى التي يحسها من نزل الوحي عليه حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد وحتى إن جسمه ليثقل بحيث يحس ثقله من بجواره وحتى أن وجهه ليحمر ويسمع له غطيط روى مسلم أنه كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه الشريف فاقتضت رحمة الله بمصطفاه أن يخفف عنه هذا العناء فأنزل عليه في سورة القيامة لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأنه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه وبهذا اطمأن الرسول ثقة بأن الله قد تكفل له بأن يجمع القرآن في صدره وأن يقرأه على الناس كاملا لا ينقص كلمة ولا حرفا وأن يبين له معناه فلا تخفى عليه خافية منه كذلك قال الله في سورة الأعلى سنقرئك فلا تنسى وقال له مرة ثالثة في سورة طه ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقل رب زدني علما .
ألا ترى في هذا كله نورا يهدي إلى أن القرآن كلام الله وحده ومحال أن يكون كلام محمد وإلا لما احتاج إلى هذا العناء الذي كان يعانيه في نزول القرآن عليه ولكان الهدوء والسكون والصمت أجدى في إنضاج الفكرة وانتقاء ألفاظها لديه ولما كان ثمة من داع إلى أن يطمأن على حفظه وتبليغه وبيان معانيه أضف إلى ذلك أن هذه الحال التي كانت تعروه عند الوحي لم تكن من عادته في تحضير كلامه لا قبل النبوة ولا بعدها ولم تكن من عادة أحد من قومه بل كان ديدنهم جميعا تحضير الكلام في نفوسهم وكفى .
الوجه الحادي عشر .
آية المباهلة .
وذلك أن القرآن دعا إلى المباهلة وهي مفاعلة من الابتهال والضراعة إلى الله بحرارة واجتهاد فأبى المدعوون وهم النصارى من أهل نجران أن يستجيبوا لها وخافوها ولاذوا بالفرار منها مع أنها لا تكلفهم شيئا سوى أن يأتوا بأبنائهم ونسائهم ويأتي الرسول بأبنائه ونسائه ثم يجتمع الجميع في مكان واحد يبتهلون إلى الله ويضرعون إليه بإخلاص وقوة أن ينزل لعنته وغضبه على من كان كاذبا من الفريقين قال سبحانه في سورة آل عمران فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم .
ورد أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى ننظر فقال العاقب وكان ذا