رأيهم والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل وما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله وقد غدا متحضنا للحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول إذا أنا دعوت فآمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني فقالوا يا أبا القاسم رأينا ألا نباهلك فصالحهم النبي على ألفي حلة كل سنة فقال والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قددة وخنازير .
وإنما ضم الأبناء والنساء وإن كان المباهلة مختصة به وبمن يكذبه لأن ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحالة واستيفائه بصدقه حتى جرؤ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته إن تمت المباهلة وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على قرب مكانهم ومنزلتهم وفيه دليل على صحة نبوة النبي لأنه لو لم يرو أحد من موافق أو مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك اه من تفسير النسفي .
ونقول أليس هذا دليلا ماديا على أن القرآن كلام القادر على إنزال اللعنة وإهلاك الكاذب ثم أليس قبول محمد لهذه المبالهة مع امتناع أعدائه دليلا على أن صدقه في نبوته كان أمرا معروفا مقررا حتى في نفوس مخالفيه من أهل الكتاب وإلا فلماذا نكصوا على أعقابهم ولاذوا بالفرار من المباهلة تأمل كلمة العاقب وأسقف نجران في الرواية الآنفة لكنه الحقد والكبرياء أكلا قلوبهم فحسدوه أن آتاه الله النبوة دونهم مع أنه أمي وهم أهل كتاب وكبر عليهم أن يؤمنوا به ويدينوا له فتضيع رياستهم وتنحط منزلتهم في نفوس العامة والحسد والكبر من الحجب الكثيفة التي تحول بين المرء وسعادته فالحسود لا يسود والمتكبر مخذول لا يسترشد ولا يتوب سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين معاذا بك اللهم من مقتك وغضبك ومن كل ما يؤدي إلى مقتك وغضبك آمين .
الوجه الثاني عشر .
عجز الرسول عن الإتيان ببدل له .
وذلك أن أعداء الإسلام طلبوا النبي أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن أو أن يبدله فلم يفعل وما ذاك إلا لأن القرآن ليس كلامه بل هو خارج عن طوقه آت من فوقه ولو